بقلم - عبير بشير
في لبنان، وفي ظل حالة الطوارئ من "كورونا"، فتحت المحكمة العسكرية الباب أمام آمر معتقل الخيام عامر الفاخوري، الملقب بـ"جزار معتقل الخيام"، ثم هرّبته الولايات المتحدة التي يحمل جنسيتها، بطوافة خاصة من سفارتها في شمال العاصمة بيروت.
ولا تزال ملابسات إطلاق الفاخوري تتفاعل في الداخل اللبناني، على وقع الكلام عن صفقة مريبة في الكواليس أفضت إلى إطلاق سراحه. وفي غياب الشفافية التي رافقت قضيته منذ دخوله لبنان وحتى توقيفه والإفراج عنه، لا يمكن الفصل بين ما هو سياسي وما هو شعبوي، وما هو قضائي وقانوني.
وفي معرض تفسير "الخروج الهوليوودي" للفاخوري من السجن. هناك من يعتبر أن ما حصل ليس سوى خضوع أحادي الجانب من قِبل البعض في لبنان للضغوط الأميركية، تحت تأثير التهديد بفرض العقوبات والخوف على المصالح الشخصية، وبالتالي فإنّ واشنطن ربحت جولة في ساحة كان يُقال: إنها محكومة بنفوذ إيران و"حزب الله". وعلى ما يبدو، كان رئيس المحكمة العسكرية العميد الركن حسين عبد الله،، هو كبش المحرقة على وقع حملات إعلامية عليه، بعدما تبرأ السياسيون من قرار الإفراج عنه.
إن المسألة لا تتعلق بلحظة فراغ وانشغال لبناني بموضوع وباء "كورونا". بل هو عمل مستمر وضغوط واصل القيام بهما الجانب الأميركي من أجل إطلاق الفاخوري، منذ اعتقاله في بيروت قبل ستة أشهر، ما أدى إلى حاجة ماسة للعهد – ميشيل عون وحبران باسيل - إلى تبييض الصفحة مع الأميركيين، ليس من أجله بل من أجل فتح الأبواب أمام الوراثة السياسية لجبران باسيل. فالعهد في وضع صعب جداً؛ نتيجة الانهيار المدوي الذي بات عليه لبنان. والضغط الأميركي يؤثر على رئاسة الجمهورية وباسيل، بعد تلويح واشنطن بفرض عقوبات على شخصيات مقربة من باسيل.
وتعج الكواليس السياسية بتقارير دبلوماسية بدأت تلقي الضوء على كثير مما هو غامض في هذه القضية، وتعتبر أنّه من الخطأ حصرها بأبعادها الداخلية اللبنانية، وكأنّ الأمر تمّ التخطيط له في بيروت، وأنّ ما جرى كان محصوراً بتلبية طلب أميركي للإفراج عن مواطن يحمل الهوية الأميركية.
وتضيف التسريبات الدبلوماسية: "إنّ المفاوضات كانت جارية بين طهران وواشنطن وعواصم وسيطة أخرى. وقال أحد التقارير: إنّ السفير السويسري في طهران السيد ماركوس كيتنر زار واشنطن مرات عدة أخيراً، ضمن مبادرة يمكن أن تؤدي إلى ترتيبات، تسهّل حصول إيران من صندوق النقد الدولي على 5 مليارات دولار لمواجهة أزمة "كورونا"، بالإضافة إلى إمكان تزويدها بمساعدات للتخفيف من وقع الكارثة التي تعيشها، ومن ضمن الترتيبات ما حدث من إطلاق مايكل وايت الجندي السابق في البحرية الأميركية السجين في طهران بتهمة إهانة المرشد الأعلى علي خامنئي، وإطلاق فرنسا المهندس الإيراني جلال روح الله نجاد.
وحقيقة الأمر، أن ملف الفاخوري أميركي بامتياز، وأن الإدارة الترامبية كانت واضحة في مطالبتها بإقفال هذا الملف، وفي تهديدها بوقف كل المساعدات الاقتصادية والعسكرية، من بينها مساعدات تتخطى الـ500 مليون دولار للجيش والقوى الأمنية. وكانت هناك مساعٍ أميركية تولتها النائبة الديمقراطية جين شاهين، بصفتها عضواً في لجنة المساعدات الخارجية التي يقع ضمن صلاحياتها إقرار المعونات والهبات للدول والجيوش، وزميلها الجمهوري تيد كروز للضغط في اتجاه إطلاق فاخوري تحت طائلة استصدار قانون "صفر تسامح" الذي يستهدف مسؤولين في الحكومة اللبنانية، بسبب مواصلتها اعتقال فاخوري بصفته مواطناً أميركياً من مدينة دوفر، في ولاية نيوهامبشير التي تمثلها شاهين. والحديث عن وجود "رهينة أميركي في بيروت"، استوقف الرئيس دونالد ترامب الذي تبنى القضية فوراً ووظفها في سياق حملته القائمة في أحد أهم عناصرها على استعادة كل الرهائن الأميركيين في سجون الخارج، وطلب من مستشاره للأمن القومي روبرت أوبراين الاهتمام شخصياً بملف الفاخوري.
وليس تفصيلاً في كل هذا الخضمّ، أن يقف الرئيس الأميركي ليشكر الحكومة اللبنانية على الجهد الذي بذلته، الحكومة نفسها التي كانت توصم حتى الأمس القريب بأنها حكومة "حزب الله" المنبوذة.
الحكومة اللبنانية، برئاسة حسان دياب بتصريحِ ترامب وجدت نفسها أمام ظلمٍ كبيرٍ، فلا هي تدخلت ولا أبدت رأياً، ولا أحد استشارها في موضوع الصفقة.
على كل حال، قصة الفاخوري، شهدت فصولاً مكثفة، لا يمكن تبديدها بحبكة بسيطة، ولا بإطلالة إعلامية لأمين عام "حزب الله" حسن نصر الله. الذي ظهر لرفع التهمة عن حزبه بالتورط بتهريب الفاخوري في إطار ما يقال من صفقة، أمام مناصريه، وبيئته الشيعية، التي ذهلت عندما سمعت بإطلاق سراح الفاخوري، الذي عذب آلاف الأسرى في معتقل الخيام، إبان الاحتلال الإسرائيلي للبنان. وفي كلام غريب وغير متوقع وغير مألوف، تحدث نصر الله عن "ضغوط أميركية كبيرة على مسؤولين سياسيين في لبنان وقضاة وعسكريين وغيرهم"، تفادياً للأسوأ، مدّعياً أنه "لم يرد أن يكرر 7 أيار، والحديث عن 7 أيار هو بمثابة صدام مع القوى الأمنية الموكلة حماية فاخوري"!