بقلم : عبير بشير
سورية المتجانسة، هذا المصطلح الذي أطلقه بشار الأسد في العام 2017 حيث قال، إنه رغم كل ما جرى في سورية، إلا أنه في النهاية ربح سورية أكثر صحة وأكثر تجانساً!.
«فسورية المتجانسة» أحد مشاريع النظام السوري، التي لم تكن لتستوي دون إحداث تغيير ديموغرافي كبير في البنية الاجتماعية الاقتصادية والثقافية السورية بالكامل، وتموضع المكونات الاجتماعية والإثنية، بما يناسب ويدعم النظام السوري والقوى المتحالفة معه ويخدم أجنداتهم.
والتغيير الديموغرافي يرتبط بمكان تواجد المجموعات السكانية، ووجودهم التاريخي، وتوازنها بالنسبة للمحيط الذي هم فيه. والتغييرات الديموغرافية أمر ممكن ودائم الحدوث عبر التاريخ، لأسباب وعوامل بيئية أو كوارث طبيعية كالزلازل والبراكين، أو عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية.
وفي سورية، بدأ التغيير الديمغرافي، فور استيلاء حافظ الأسد على الحكم، فقد باشر في تدشين عملية التغيير الديمغرافي بهدوء ودون ضجيج .. ففي مشروع الحزام العربي تم نقل السكان العرب ممن غمرت مياه سد الفرات قراهم العام 1974 ليتم توطينهم شمالاً على حساب الأكراد، في شريط حدودي بطول 300 كم.
وقام حافظ الأسد بالسيطرة على العاصمة السورية، عبر تشجيع عشرات الألوف من أبناء الطائفة العلوية على العيش في مدينتي دمشق وحمص، ربطاً بتوفير فرص عمل لهم في المؤسستين الأمنية والعسكرية وأنشأ أحياء جديدةً أسكنهم فيها، كمنطقة عش الورور المطلة على حي برزة، والمزة كما أنشأ شقيقه رفعت حيّ السومرية المقابل لمنطقة معضمية الشام.
فيما أحدثت الحرب الجارية في سورية تغييرات هيكلية في الخريطة السكانية، أسهم فيها النظام السوري بشكل فعال بما يتلاءم مع حاجاته الأمنية واستمرار سلطته السياسية، فمنذ بدء الثورة السورية، كانت ديناميات القمع، والعنف من قبل قوات النظام والميليشيات التابعة له، تلعب دورا رئيسيّا في عملية الشرخ الطائفي، في القرى والأحياء الفقيرة ذات الأغلبية السنية. ولجأ النظام السوري في أكثر من مكان، لتغيير الطبقات السنية الأشد فقرا، والتي صنفت على أنها معادية للنظام في ضواحي دمشق وحلب، بطبقات من الأغنياء أو متوسطي الدخل من الطائفة السنية، الذين لم يبدوا استعدادا مماثلا لمعاداة النظام.
ومع عسكرة وتعميق الحرب، استخدم النظام على نحو متزايدٍ استراتيجية الاتفاقيات المحلية مع المدن أو الأحياء المحاصَرة التي تتعرض للقصف المستمر، لإجبار السكان المحليين المعارضين للنظام على ترك منازلهم، ففي العام 2016، مرر النظام اتفاقيات، مع مدينة داريا، وأحياء الوعر في حمص، وأحياء شرق حلب، بعد أن عانت جميعها من الحصار والقصف. وفي العام 2018، وبمعية «حزب الله» اللبناني، وتشجيع من النظام السوري، تم ترحيل الآلاف من السكان السوريين السنة من بلدات في ريف دمشق - الزبداني ومضايا -، مقابل نقل الآلاف من السكان السوريين الشيعة والعلويين من بلدات في ريف إدلب - كفريا والفوعة - ضمن ما عُرف باتفاق «المدن الأربع»؛ فكان هذا الاتفاق أكبر وأخطر عملية تهجير وتغيير ديموغرافي واضح ومباشر في سورية.
وخلص تقرير معمَق صدر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إلى أن التحركات السكانية الواسعة النطاق في سورية لم تكن مجرد نتيجة ثانوية أو عابرة للحرب، بل يعود كثير منها إلى استراتيجيات تطهير عرقي واعية تنفذها الأطراف كافة، ويعني ذلك أن التغيير الديموغرافي حدث في أكثر من اتجاه، منذ عدة سنوات، سواء الجراحة الديموغرافية الطائفية من قبل النظام السوري وأعوانه، أو الطوعية هربا من الموت والدمار.
وتزامنت عملية التهجير القسري مع حدوث حالات إحلال سكاني في عدد من المناطق التي شملها التهجير، ومن أبرزها القصير وبابا عمرو والدريب والسباع والحميدية في حمص، أحياء العمارة والأمين والجورة والشاغور في دمشق، منطقة جنوب دمشق كالسيدة زينب وحجيرة والحسينية وسبينة والذيابية ويبرود وعقربا في ريف دمشق، قبر فضة والرملة في حماة.
أما الأدوات المستخدمة في الإحلال السكاني، فمن أبرزها نقل الملكية للوافدين الجدد إما من خلال التنظيم العمراني أو شغل منازل المهجرين بالقوة، أو من خلال شراء العقارات السكنية والأراضي الزراعية إضافة إلى توفير الخدمات وإعادة إعمار المناطق المهجرة، أمّا الوافدون الجدد فيتوزعون بين فئات «علويين، ميليشيات شيعية، شيعة سوريين، أو من الأثرياء السنة».
ولفهم طبيعة النظام السوري، فإن حكومة النظام ترفض باستمرار عودة اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان – الدولة الجارة -، دون تقديم أي تفسير. وفي إطار عملية إعادة النازحين إلى سورية، تجهز المديرية العامة للأمن العام في لبنان قائمة بأسماء السوريين المستعدين للعودة، وتشاركها مع نظرائها في المخابرات السورية، ولكن لا يحصل على حق العودة إلا أولئك الذين يسمح لهم النظام. وقال مسؤولون عن شؤون النازحين في لبنان، إن الفرق بين أرقام من تقدموا بطلب للعودة وبين أولئك الذين استطاعوا أن يعودوا في النهاية، هائل، فعندما نرسل قائمة تضم 5000 سوري، يتم قبول 70 شخصا فقط، وفقا لمزاج المخابرات السورية.
ويأتي هذا ضمن مساعٍ متعدِّدة للنظام السوري لتبديد فرص عودة اللاجئين إلى بلادهم، والذين هم في غالبيتهم من غير السنة وغير الموالين للنظام السوري، وذلك لضمان عدم مشاركتهم في أي انتخابات قادمة، كما سن النظام السوري عددا من القوانين التي تسهل الاستيلاء على ممتلكاتهم، ومصادرة أملاك الغائبين من اللاجئين. وطالب النظام أكثر من 10 ملايين سوري ممن فروا من الحرب المستعرة في البلاد أن يتقدموا بإثبات ملكيتهم لمنازلهم، في موعد أقصاه أوائل أيار 2019، وإلا فإن الحكومة ستضع يدها عليها. ويشبه هذا القانون بقانون أملاك الغائبين في إسرائيل، الصادر العام 1950، الذي يُجيز الاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم.
وأفادت مروحة تقارير بأن بشار الأسد وافق على خطة فرنسية للحل في سورية، تتضمن إجراء انتخابات، ولكن اشترط عدم مشاركة اللاجئين في الانتخابات. ويسعى النظام السوري من كل ذلك، إلى تحقيق هدفين: الأول سياسي، وهو استبعاد اللاجئين وهم الفئة التي يفترض أنها الأكثر معارضة له. والثاني طائفي، وهو إضعاف وزن الطائفة السنية، باعتبار أن غالبية اللاجئين منهم. وتتوقع مؤسسات دولية أن النظام لن يقبل بعودة اللاجئين حتى بعد انتهاء النزاع، عكس مع حدث في دولة أخرى كالبوسنة والعراق.