الزمن دائريٌ، والماضي مستقبلٌ في الانتظار

الزمن دائريٌ، والماضي مستقبلٌ في الانتظار..!!

الزمن دائريٌ، والماضي مستقبلٌ في الانتظار..!!

 لبنان اليوم -

الزمن دائريٌ، والماضي مستقبلٌ في الانتظار

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

توقفنا قبل أسبوع عند دلالة السلفية المُتداولة في اللغة العربية، والتي تبدو، بقدر ما أرى، أفضل مرادف لـ Traditionalism البوصلة الأيديولوجية لأقصى اليمين الأميركي والأوروبي. وأشرنا إلى فكرة الدوائر، أو العصور، التي تمثل قاسماً مشتركاً بين هؤلاء وأقرانهم من ممثلي اليمين الديني، والقومية الدينية، في العالمين العربي والإسلامي، مع ألوان طيف سلفية مختلفة من السلمية المُسالمة والمعادية للسياسة إلى الجهادية. سلفيو الغرب «جهاديون»، أيضاً، على طريقتهم.

على أي حال، نعثر في هذا السياق على ما يفسّر النسب الأيديولوجي لهؤلاء، وما يجعل من الفرنسي عبد الواحد، وغيره، كالفاشي الإيطالي يوليوس إيفولا، آباء روحيين لبانون وشركاه، مع ضرورة التذكير بما تنطوي عليه خلاصة كهذه من تبسيط. كل ما في الأمر أنها صحيحة، وأنني لا أريدُ الاستطراد في موضوع يبدو ثقيلاً على القلب والذائقة.ومع ملاحظة أن صوفية الشيخ عبد الواحد لا تستمد مصادرها من التقليد الصوفي الإسلامي وحسب، بل وتمتزج فيها عناصر بوذية وهندوسية، أيضاً. وهذا ما يفشل مستهلكو هذا النوع من الأدبيات في العالم العربي في إدراكه. ولعل من تحصيل الحاصل الكلام عن غياب الدراسات المقارنة بين التقليد الصوفي الإسلامي، وما يقابله من تقاليد وتصوّرات في الهندوسية والبوذية.

ويبقى الأهم، بقدر ما يتعلّق الأمر بموضوعنا، أن جاذبية «مدرسة» الشيخ عبد الواحد بعناصرها ومصادرها المُختلفة، تتجلى في العداء للأزمنة الحديثة، والحداثة، وفي تفسيرها للتاريخ، ومفهومها للزمن. وكلاهما يمثل قاسماً مشتركاً، بصرف النظر عن التأويلات والتطبيقات السياسية، بين اليمين الديني في العالمين العربي والإسلامي من ناحية، واليمين الديني الأميركي والغربي من ناحية ثانية، وبصرف النظر، أيضاً، عن مروحة واسعة من ألوان الطيف.

لذا، لا يبدو من قبيل الجنون، أو الهبل، أن نتخيّل إعجاباً دفيناً من جانب «سلفيين» في صفوف أقصى اليمين الأميركي أو الأوروبي، بخلافة الدواعش، وحربهم على كل تجليات الأزمنة الحديثة، بما فيها إعادة الاعتبار إلى الرق، واللامساواة، والعودة إلى الثيوقراطية، وتدمير الدولة القومية الحديثة، وتكريس دونية النساء، والتطهير العرقي والثقافي على أسس دينية.لماذا؟ لأن في هذا كله ما يُذكّر بتفسير مختلف للتاريخ، ومفهوم مغاير للزمن. فالتاريخ في المخيال والاستيهامات التاريخانية للسلفيات الشرقية والغربية، على حد سواء، يبدأ من لحظة فردوسية أولى، التحم فيها المقدس بالدنيوي، ليتدهور وينحدر كلما ابتعد زمنياً عنها، ولا ينجو من سيرورة كهذه إلا بحلم، ومشروع، العودة إلى لحظة البداية المتسامية والمتعالية، وبهذا يتجلى المستقبل كنوع من الركض وراء ماضٍ في الانتظار.

وبهذا المعنى، يتجلى الزمن في «التقليدية» بعناصرها المختلفة في حركة دائرية لا يكف التاريخ فيها عن الانطلاق من نقطة البداية والعودة إليها بعد قرون قد تطول أو تقصر. وتتجلى هذه وتلك في الزمن على مدار أربعة عصور هي الذهبي، والفضي، والبرونزي، والأسود. الذهبي، طبعاً، هو لحظة التسامي الأولى، أو زمن الفضيلة، والحكم الديني، وكلما ابتعدنا عنه تدهورنا، وبقدر ما نتدهور نكون قد اقتربنا من لحظة العودة.وبمناسبة موضوع التدهور، سأخرجُ قليلاً عن الموضوع للتذكير بشبطاي تسفي، الذي تزعّم، في القرن السابع عشر، أهم حركة خلاصية في تاريخ اليهودية، ودخل في ذروة صعوده قصر السلطان العثماني طالباً منه النزول عن العرش، فما كان من الأخير، الذي تعامل معه كمزحة ثقيلة، إلا أن خيّره بين اعتناق الإسلام أو السيف.

أسلم الأخ شبطاي، طبعاً، وسمىّ نفسه محمد أفندي وانفض كثيرون من أتباعه عنه، ولكن آخرين رأوا في «تدهور» كهذا «حكمة إلهية» من نوع ما، لذا انخرطوا، على سبيل المحاكاة، في طقوس إباحية، وغيرها، تنتهك محرّمات دينية كثيرة بذرائع مُعقّدة تستهدف تسريع الخلاص، ويمكن اختزالها في عبارة من نوع: «إذا ما خربت ما بتعمر». هذا المثل مُفيد، بشكل خاص، عندما نصل إلى موضوع الأخ ترامب في معالجة لاحقة، سنأتي فيها على ذكر «إدارة التوحّش» أيضاً.

والمهم، الآن، حسب نظرية العصور التاريخية أن الغلبة في العصر الذهبي للكهنة، وفي الثاني، أي الفضي، للمحاربين، وفي الثالث، أي البرونزي، للتجّار، أما في آخر العصور، الأسود، عصرنا الحاضر، والأكثر انحطاطاً، وإغراقا في التدهور، فالغلبة فيه للعبيد، الذي لا يجدون مادة للفكر والشغل والتجارة سوى أجسادهم، ويتجلى انحطاطهم المريع في نظامين يقومان على قاعدة الحكم للشعب هما الشيوعية والديمقراطية. وكلاهما أسفل من الآخر.
تكون الغلبة لطائفة بعينها من الناس في كل عصر من عصور الزمن الدائري، كما يقول منظرو السلفيات، في الشرق والغرب على حد سواء، وبصرف النظر عن التباين في التسميات، وألوان الطيف. طائفة الكهنة والمحاربين في العصرين الذهبي والفضي روحانية عموماً، أما الثانية والثالثة، أي التجّار والعبيد، فمادية عموماً، يُعلي التجار من شأن السلعة والمال، ويتاجر العبيد (نحن، بكل فخر، أبناء الأزمنة الحديثة) بأجسادهم.

ثمة، بطبيعة الحال، ألوان طيف مختلفة، وتباينات بشأن العرق الأكثر قدرة على تمثيل العصر الذهبي، والعودة إليه. وفي هذا الصدد يحتل الجنس الآري، (الذي يتسع أحياناً ليشمل عائلة اللغات الهندو ـ أوروبية) مكانة مرموقة لدى البعض، وهي تشبه، إلى حد، ما خصوصية «العرب» اللغوية، والتاريخية، وأولويتهم، في أيديولوجيا اليمين الديني الإخوانية ـ الوهابية. وثمة، أيضاً تباينات في موضوع الشمال والجنوب، ولكن أهم المشتركات أولوية الذكورة على الأنوثة، وقداسة التراتبية الاجتماعية، والتقاليد القديمة العابرة للحدود والقرون. لم ننته بعد، ولنا عودة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الزمن دائريٌ، والماضي مستقبلٌ في الانتظار الزمن دائريٌ، والماضي مستقبلٌ في الانتظار



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon