ويسألونك عن «الضم»

ويسألونك عن «الضم»..!!

ويسألونك عن «الضم»..!!

 لبنان اليوم -

ويسألونك عن «الضم»

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

الكل يتكلّم عن «الضم»، طبعاً. ولكن أسوأ ما في الأمر أن تقاليد الكلام بين الفلسطينيين، على الأقل (ثمة تنويعات أكثر بين العرب، وإن تكن مُضلّلِة تماماً) في الموضوع الإسرائيلي، عموماً، وما يتصل به، ويتفرّع عنه، لا تسمح بتوسيع البيكار، وتفشل في التمييز بين السياسة والأخلاق، وبين السياسة والأيديولوجيا، وغالباً ما تقع بقدر مُدهش من المازوشية في غواية العلاقة بالواقع على طريقة «أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل».
لذا، لا فائدة من «طحن الماء»، وإعادة التذكير بالنوايا التوسعية للصهيونية، وعدوانية إسرائيل، وانتهاك القانون والشرعية الدوليين. ناهيك، طبعاً، عن تحويل ما جاء في نشرة أخبار التلفزيون إلى براعة مُلفقة ومُفتعلة في «التحليل». والأسوأ من هذا كله النزعة السنتمنتالية المُفرطة، والرائجة تماماً، في قصائد رديئة.
والحري بنا بدلاً من هذا كله إعادة الاعتبار إلى لغة حركات التحرر القومي، والكفاح ضد الكولونيالية، وإلى مفردات كالرأسمالية، والصراع الطبقي، والتقدّم والرجعيّة، أي كل ما طرده صعود سياسات الهوية، والإسلام السياسي، والقومية السنيّة، والليبرالية الجديدة في صيغتها العربية ـ الإسلامية المُخلجنة، من التداول. ولا بأس في سياق كهذا من التذكير بحقيقة أن الفلسطيني هو الذي سيضحك، أخيراً، في حرب المائة عام المُقبلة.
هذه مفاهيم وعلامات استرشاد، وليست «التحليل» نفسه. فلا معنى «للتحليل» في هذا الأمر، وفي كل أمر آخر، بعيداً عمّا يحدث الآن، وهنا، في الإقليم والعالم، وفي معزل عن ضوابط وحقائق الجغرافيا السياسية، بل وحتى «الطارئ» كالكوارث الطبيعية، مثلاً، وما يدخل في حكمها، وهذا ما تعيشه البشرية، فعلاً، في زمن الكورونا اللعين هذا.
ولنقل إن ثمة مداخل كثيرة للكلام عن، والتفكير في، موضوع «الضم»، ولعل أبرزها، في معالجة اليوم، قراءة الموضوع، وما يتصل به، ويتفرّع عنه، على خلفية فراغ القوّة في الشرق الأوسط. فالخطوط الحمر، ومراكز الثقل، والمناطق الرمادية، ذات الصلة بالأمن في الإقليم، وتداعياته الدولية، كما تبلورت في زمن الحرب الباردة، سقطت.
كما قوّض السلام الإمبراطوري Pax Americana الذي سعت الولايات المتحدة إلى فرضه على العالم العربي، وفي الإقليم، عبر سلسلة من الحروب الكارثية منذ حرب الخليج الأولى، دعائم وتقاليد الأمن الإقليمي، وأدخل المنطقة في حالة سيولة كاملة، وانعدام وزن، بلا أرض صلبة، تقف عليها أنظمة وشعوب، حتى لالتقاط الأنفاس.
وفي التحليل الأوّل والأخير، وبقدر ما يتعلّق الأمر بمركز القوّة: السعودية ليست مصر، وما يصدق على إيران وتركيا في تاريخ وحسابات، و»عواطف» المنطقة لا يصدق على إسرائيل، والقومية الدينية لا تصلح بديلاً للقومية العربية، ناهيك عن حقيقة أن الأولى نشأت، مع سابق إصرار وترصّد، للقضاء على الثانية. وبالمناسبة، ثمة ما يصلح وسيلة إيضاح هنا:
كثر الكلام، في السنوات القليلة الماضية، خاصة في مصر، عن حروب «الجيل الرابع»، وفي حالات كثيرة يبدو أن المتكلّمين لم يدركوا بعد أن الحرب بدأت هناك في دولة «العلم والإيمان» مع بنك فيصل الإسلامي، وشركات الريّان للصرافة، و»دلة البركة». الخ. هذا النوع من الحروب يستغرق فترة طويلة، ولا ينحصر في سلاح بعينه، ولا يعني، أو يستهدف (خلافاً للشائع) إسقاط الدولة، بل تغيير التاريخ والقيم، وتحويل الدولة إلى ضامن للتغيير.
على أي حال، ومع القفز على تداعيات وتفاصيل كثيرة: نشأ في عملية تاريخية عنوانها خروج مصر، وتهشيم الثِقلين العراقي والسوري، وما يتصل بهذا وذاك من تداعيات الربيع العربي، والثورة المضادة، فراغ للقوّة في الإقليم. وبما أن قوانين وإكراهات الجغرافيا السياسية، كقوانين الطبيعة نفسها، لا تعرف ولا تعترف بالفراغ، كان لا بد من صعود طامحين إلى ملء الفراغ، وممارسة دور القوّة الإقليمية.
وما شجّع الطامحين أن السيد الأميركي، بعد سلسلة حروب، وسلام وهندسة فاشلين، أُصيب «بالضجر»، و»اليأس» (كالعادة) من إمكانية نجاح شيء ما في هذا الجزء من العالم، ناهيك عن نشوء تحديات استراتيجية وجودية في مناطق أُخرى، لذا أصبح معنياً أكثر بحصر الخسائر، وجبر الأضرار، والتنازل عن مقعد القيادة الأمامي لآخرين، حسب تعبير أوباما في الحرب على ليبيا.
ولكن السيد الأميركي لا يخرج من الشرق الأوسط، هذه المرّة، بطوّافة على سطح بناية كما فعل في سايغون، بعد هزيمة مُهينة في حرب التحرير الفيتنامية (المجيدة، ولم لا) بل يبقى ويُبقي نفوذه وإن يكن مع تقليص الانخراط المباشر، أو حصره في عمليات رمزية، علاوة على «ترقية» عملاء محليين إلى وكلاء في الإقليم بترتيبات أمنية وسياسية معيّنة. وبهذا المعنى تتجلى صور كبار اللاعبين، وصورة التركة.
كبار اللاعبين: إسرائيل، وتركيا وإيران. يتكالب هؤلاء، الآن، على اقتسام مناطق النفوذ، وحتى الأراضي والثروات، في عالم عربي مُستباح يشبه ما كان عليه الحال بعد الحرب العالمية الأولى. لا يملك الأتراك والإيرانيون التمدد في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، في آسيا الوسطى، فروسيا بالمرصاد، رغم أن أغلب الشعوب هناك من أصول وثقافات، وذاكرة تاريخية، وثيقة الصلة بتركيا وإيران. لذا، مجالهم الحيوي هو العالم العربي، مع ملاحظة خيبة أمل السيد الأميركي في الأتراك، وكراهيته للإيرانيين.
وتبقى إسرائيل، حبيبة الأميركيين، التي بدأت بوعد على ورقة قبل مائة وثلاثة أعوام، وتتصرف هذه الأيام كقوّة إقليمية صاحبة رأي وحق في تقرير مصير وأمن وسياسات الإقليم. ومع هذا كله في الذهن: ما معنى «الضم» الذي حرصنا على وضعه بين مزدوجين، أين موقعه من الإعراب؟ ولماذا الآن؟ لنا عودة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ويسألونك عن «الضم» ويسألونك عن «الضم»



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:53 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 لبنان اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 06:42 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"
 لبنان اليوم - وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 لبنان اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:43 2021 الثلاثاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فوز سيدات لبنان على سوريا في بطولة غرب آسيا لكرة السلة

GMT 22:09 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 سيارات دفع رباعي حديثة ومريحة على الطرق الوعرة

GMT 07:24 2023 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وفاة المنتجة الفنية ناهد فريد شوقي عن عمر يُناهز 73 عامًا

GMT 17:19 2015 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هاميلتون يؤكد أنّ شوماخر بطل سباقات السيارات على مر العصور

GMT 14:35 2014 الخميس ,04 أيلول / سبتمبر

شريط فيديو جديد لدبلوماسي سعودي مختطف في اليمن

GMT 08:17 2022 الإثنين ,30 أيار / مايو

السعودية وأميركا... قوة المنطق

GMT 18:23 2021 الأربعاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

قرداحي يعدد ما تعلمه من أزمته الأخيرة ويؤكد شعوره بالظلم

GMT 16:10 2021 الثلاثاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

إسلام سليماني يدعم محمد صلاح في سباق الكرة الذهبية

GMT 17:15 2021 الخميس ,30 كانون الأول / ديسمبر

أزياء حددت موضة 2021 يمكن الاحتفاظ بها في العام الجديد

GMT 03:47 2015 الإثنين ,02 آذار/ مارس

سلطة الأسكالوب

GMT 07:37 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

لو كنت من القيادة الفلسطينية

GMT 18:53 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة البريطانية تخلي مطار برمنغهام بسبب سيارة مشبوهة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon