بقلم - زياد خدّاش
وكأن عشر سنوات مرّت دون أن أمشي في شوارع رام الله، دون أن أهبط من "فورد" المخيم بصحبة كتفي الذي ملَّ من حقيبتي، وأمشي الى مكتبة الجعبة لأشتري جريدة، وأمضي لشرب تفاصيل المدينة، مزدهراً حيناً بامرأة صغيرة أو متسعاً حيناً بإشراقة وجودية، او حائراً حيناً بنص وبزجاجة (كورونا) أو طائراً بصيحات طلابي، او مرعوباً من دقة قلب مستعجلة، أو مغتاظاً من كتاب غالي الثمن يجلس امامي في مكتبة.
مالذي حدث؟ ايتها النيتشوية الحلوة المدججة بالجمر والمقاهي والرغبات؟ أفيلم رعبٍ يا رام الله؟ أم هي طريقتك المختلفة دوماً في صدمنا وإثارة فضولنا؟
بالفرح والغضب والندم والحزن اعتدنا أن تصدمينا. أبالصمت والفراغ أيضاً؟، لا ( يركب) فراغ على وجهك المغني ولا يتجاور صمت مع مهرجان الرب المستمر في روحك.
أهي استقالة؟ أم هو تعب منا؟ أهي عزلة المدن العظيمة الحزينة حين تكسرها حقيقة علمية مفاجئة؟ لم أعهدك تخافين من العلوم، لم أتوقعك منحنيةً أمام قانون أو مكسورةً أمام طفرة. أتتركيننا هكذا وتذهبين إلى نوم غريب؟ هكذا بكامل صحوة الصحراء فينا؟
اشتقتُ الى كل شيء، تحديداً (مقهى الانشراح ) حيث الحياة والكتب وفلسطين، وحتى الملل بكامل الاتساع والحلم والأصحاب، اشتقتُ إلى كل الأصدقاء والمعارف والمقاهي، والمكتبات والمدارس والشوارع، إلى قريطم والدلو والحصري وأبو إلياس الحلاق وحسن البطل وخميس وحمص بندلي وعادل الترتير وعزام وشادي ومحمص عودة، والمحكمة العثمانية ومطعم جوري.
من بين كل الشخصيات التي أفتقدها اشتاقُ جداً لزياد بطاقيّته الدائمة وكرشه العنيد، زياد المشّاء المدخن البسيط الغريب الغاضب منا فجأة، الشاتم أمهاتنا بلا سياق، الجالس قربنا دون استئذان، المصدق كل شيء والمحدق في أرغفتنا وعلب سجائرنا بجرأة رائعة، المطلق تجاهنا (فرقعات) الفم المضحكة تلبيةً لطلب صديق يمازحنا.
زياد صديقي الرائع: أينك الآن؟ أجائع؟ أخائف؟ أوحيد؟ كنتُ أراك كل صباح صاعداً من الطيرة تجر جوعَك معك وسلامةَ نواياك، وتجهز شتائم اليوم، لتوزعها كساندويشات غضب على كل ساخر.
آه يا صديقي الطيب، لم تعد هناك شوارعُ تأكلها بقدميك وبفجرك وبعينيك وبسيجارتك.
زياد أرجوك (أعطيها وحدة) أطلق (فرقعة فموية) ضخمة على كل شيء في هذا العالم الحزين الخائف، علّه يصحو أو ينتبه، أو على الأقل يضحك.