ممكنات جديدة للوجود

ممكنات جديدة للوجود

ممكنات جديدة للوجود

 لبنان اليوم -

ممكنات جديدة للوجود

بقلم : زياد خدّاش

كلما جلست في مسرح القصبة استعداداً لفيلم أو مسرحية أشتاق ولا أعرف لماذا، إلى رؤية (جميل السلخة) جالسا بجانبي يتحسس المقاعد ويصيح بفظاطة سائقي (الفوردات): يا الله ما أنعمها والله أنعم من جلد البنات يا أستاذ، هو سائق فورد من مخيم الجلزون والمشهور بالتعرض لإهانات وصفعات الجنود دائما لأنه يعبر فينا إلى بيوتنا في المخيم، من طرق فرعية ممنوعة، جميل السلخة والذي لم يكمل الصف الثالث، هذا يعشق فيروز ويفكر دائما في تأسيس جمعية أصدقاء فيروز ويستشيرني في الإجراءات، صحيح أنه لا يفهم ما تقول، لكنه يحس بأنها تقول كلاما رائعا، بهذا الصوت الدافئ كما يصفه:
(بتقاتل مع مرتي يا أستاذ، ولما أسمع فيروز بهدأ، بضربني الجنود وبنقهر من جوا، بس أسمع فيروز بشعر إني مش زعلان حتى من الجنود اللي ضربوني)
***
منذ ست سنوات لم أزر بحر بلادي، أنا الكائن المائي القادم من برج السرطان، المصنوع من رمل وعواصف وصخور مبللة وأمواج، وقوارب عتيقة، وتنهدات أشباح بحارة ميتين، أعيش في رام الله، منذ ستة آلاف سنة، أنتظر غرقاً غامضاً وجميلاً، يحييني وفق صياغة أخرى، في بحر قريب، بحر يعرفني وأعرفه يريدني وأريده، لا يبعد عني سوى عشرين سنة ضوئية، البارحة تسللت ليلاً إلى بحر بلادي، على أطراف أصابعي رأيت نفسي أقترب رويداً رويداً من أضخم وأعنف موجاته، أستدرجها إلى قلبي اليابس العطش، فتهرع إليه بجنون لتطفئ جفافه وتنقذ رمقه الأخير، وهناك أغلق عليها جدران روحي وأهرب بها إلى رام الله، أغلق باب نوافذ وأبواب غرفتي بإحكام، ثم أطلق سراحها برفق ومحبة، أشرع في تربيتها وترويضها كغزالة البر المذهولة، وفي صباح اليوم التالي أعلن في الصحف خبر اصطياد وطني.
وفجأة وبينما أنا غاط في نوم أبله، أشعر ببلل في جسمي، فأصحو فزعاً ومشوشاً فإذا بالموجة الضخمة والعنيفة تزحف على وجهي غاضبة ومستاءة، تلطم صدري، تتجاوز جسدي متسلقة النوافذ ودافعة الباب أمامها. متجهة صوب حيفا.
في الحلم الأول اصطدت موجة وفي الحلم الثاني هرّبتها إلى بيتها ليش اعملت هيك يا أبو الذوذ؟؟، هكذا سألتني نانسي ابنة جاري الأمورة الصغيرة ذات الأربع سنين.
نانسي تلثغ بحرف السين، وهي اللثغة اللذيذة التي تكاد تطيح بعقلي، من فرط عذوبتها، لم أستطع أن أجيبها إجابة عاقلة مقنعة، اكتفيت بقولي: إنه مجرد حلم يا صغيرتي،
فأسمعها تهمس لأمها: (عمو ذوذو بحكيلي قصص كذابة).
وفي مدرستي، في الصف الرابع تحديداً، مطبقاً حصة إشغال لغياب معلمها، أروي للتلاميذ المندهشين الصامتين حكايتي مع الأفعى والأسد في الغابة.
فأقول لهم، في نهاية حكاية خرافية: وهكذا يا أحبائي الصغار أقنعت الأفعى بأن ترقص معي فرقصنا وصرنا أصحاباً.
فأسمع همساً آخر في المقعد الأخير بين تلميذين: هذا الأستاذ كزاب، بضحك علينا، كيف برقص مع الحية، مهي ممكن توكله.
فأهمس أنا الآخر بيني وبيني: آه يا أصحابي اللذيذين ومن قال إن الأدب والفن ليسا وهماً وكذباً؟
ولكنه الوهم الجميل والرائع الضروري والمفيد، الوهم الذي ينقذ البشرية من السقوط السريع المدوي في حفرة الحقيقة، الأدب والفن لا يمنعان السقوط لكنهما يبطئانه، ويزينانه بالألوان والعطور، ويفلسفانه، ويعمقانه، بحيث تتكشف من خلاله أبعاد أخرى للعالم، وممكنات جديدة للوجود،
نانسي ناسي البارحة حلمت -------------
كمان كذبة يا أبو الذوذ يا الله بكفي تكذب.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ممكنات جديدة للوجود ممكنات جديدة للوجود



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon