بقلم : هاني حبيب
بينما تتسابق شركات صناعة الأدوية العالمية ومختلف المختبرات المتخصصة بالأوبئة، وتتنافس في طرق توفير لقاح لفيروس «كوفيد - 19»، تتزايد دعوات تنتشر عبر مختلف وسائل الإعلام وخاصة منصات الإعلام الاجتماعي لعدم التعامل مع هذه اللقاحات، وتحذر حيناً من مخاطرها وحيناً آخر تحت مبررات دينية وفي معظم الأحيان تعتمد هذه الدعوات على خبراء أوبئة أو فتاوى دينية لتبرير موقفها.
وهذه ليست المرة الأولى التي تنشط فيها حركات مناوئة للتلقيح والأطعمة، وهي الحركات التي اعتبرتها منظمة الصحة العالمية من بين أكبر عشرة تهديدات للصحة العامة، لما تدعيه هذه الحركات وما توجهه من اتهامات غير مثبتة علمياً حول جدوى التلقيح وفوائده، والتشكيك الدائم ببواعثه واستهدافاته، مع ذلك تواصل هذه الحركات الترويج لادعاءات وخرافات ونظريات ومعلومات مزيفة في سياق نظرية المؤامرة التي تربط بين اللقاحات وتداعياتها الخطير على صحة المتلقي لها، وتدعم هذه الإبداعات بدراسات بحثية مشكوك بها أو حتى أنها لم تجر أصلاً لتبرير موقفها.
هناك أكثر من مئتين وخمسين ألف باكستاني يعملون على تطعيم الأطفال منذ ربع قرن ضد شلل الأطفال، إلاّ أن هذا المرض لم يختفِ، بعد ذلك ان العاملين في هذا المجال يواجهون مشاكل عديدة خاصة شمال غربي البلاد وتحديداً في ضواحي ولاية بيشاور، حيث تعرضت مراكز التطعيم إلى هجومات مسلحة من قبل بعض المجموعات الدينية مع نشر إشاعات عن وجود سموم في هذه اللقاحات كونها مستوردة من الخارج وأنها ليست إسلامية، في أيار من العام الماضي، اضطرت السلطات إلى إغلاق العديد من المدارس بعد أن هاجمتها الحركات الداعية لوقف التلقيح بعد تهديدات من قبلها إثر رفض أولياء أمور الطلبة تلقي الأطفال لقاحات مضادة لشلل الأطفال بدعوى أنها مؤامرة تهدف إلى إصابة الأطفال بالعقم في مؤامرة دولية ممنهجة ضد الإسلام والمسلمين.
في الولايات المتحدة الأميركية تعارض جمعيات مسيحية متشددة التطعيم الإلزامي، وترفض جماعة «المحكمة العالمية» التي تقوم على أسس دينية مسيحية التعامل مع أنواع عديدة من التطعيمات، بينما عارض رجال دين مسيحيون في أستراليا قبل أيام صفقة لقاح عقدتها الحكومة مع شركة أدوية «استرازينكا» والمضاد لفيروس «كوفيد - 19» حيث وجه أساقفة إنجيليون وأرثوذكس رسالة إلى رئيس الوزراء سكوت موريسون معربين عن معارضتهم للتعاطي مع هذا اللقاح.
إلا أنّ هناك جمعيات مدنية ترفض أو تشكك في اللقاحات وأهميتها وتبرر ذلك بعدم ثقتها بالدولة العميقة والاستخدام المسيس للقاحات لأسباب انتخابية، أو نظراً لما تجبيه شركات صنع الأدوية واللقاحات من أموال هائلة نظير إنتاجها من الأدوية واللقاحات.
وهذه الجمعيات تنتشر عموماً في الولايات المتحدة حيث يرفض عدد كبير من الأميركيين من خلال تشكيلات وجمعيات سياسية ومدنية وحركية وبعضها مزود بالأسلحة قرارات التباعد الاجتماعي وإغلاق البلاد، داعين إلى فتحها لاستمرار العملية الاقتصادية.
وتلتقي هذه التشكيلات بصفة عامة مع الشعارات التي رفعها الرئيس ترامب ساعياً لوقف هذه الإجراءات على أمل تحسين ظروف الاقتصاد الأميركي قبل وقت قصير من موعد الانتخابات الرئاسية، علماً أن ترامب كان قد أنكر في البداية وجود هذا الوباء مدعياً أنه سينتهي في فصل الصيف والخريف ما تبين عدم صحة هذا الادعاء، ثم ألقى باللائمة على الصين بينما لم يتخذ إجراءات كافية من شأنها الحد من انتشار الوباء، وعاد ليعترف به، ودعمه الاحتفالي على قنوات التلفزيون لجهود صناعة اللقاحات المضادة للوباء، في ظل سياسة فوضوية غير مستقرة ما أدى إلى أن تشكل الولايات المتحدة الدولة الأولى على مستوى العالم من حيث الوفيات والإصابات رغم تقدمها العلمي خاصة في مجال الصيدلة وصناعة الدواء واللقاحات.
من الصحيح أن شركات صناعة الدواء واللقاحات تستثمر الأوبئة والأمراض لجني المزيد من الأموال ولا تنظر بعين إنسانية لانتشار الأوبئة في الدول الفقيرة وتتنافس فيما بينها على تعظيم مداخيلها، غير أنّ ذلك يجب ألا يشكل سبباً للامتناع عن تناول الأدوية واللقاحات، بل إن المطلوب بذل كل الجهود من أجل توفيرها إلى كل محتاج أينما كان باعتبار ذلك حقاً من حقوق الإنسان قبل أن يكون وسيلة للكسب والتربّح.