بقلم : هاني حبيب
خلافاً ليهود إسرائيل فإن يهود الولايات المتحدة يحبذون ويؤيدون وصول المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض. رأينا في مقالتنا السابقة هنا أنّ غالبية الإسرائيليين يتطلعون إلى بقاء ترامب في البيت الأبيض، في وقتٍ تتسع فيه رقعة تأييد بايدن بين يهود أميركا، وفقاً لما أظهره استطلاع رأي أجرته اللجنة اليهودية الأميركية قبل أيام، إذ حصل المرشح الديمقراطي على تأييد 75% من يهود أميركا مقابل 22% لصالح ترامب، بينما كانت النسبة في نتائج استطلاع سابق 67% و30% على التوالي، ما يشير إلى أنه كلما اقتربنا من موعد الانتخابات، فإن الهوة تتسع لصالح تأييد بايدن.
يهود أميركا ليسوا قوة انتخابية عددية، لكنهم قوة انتخابية مالية بالدرجة الأولى؛ حيث إنهم يشكلون 2% من السكان، ومع أن معدلات التصويت العام تبلغ 55% إلا أن معدّل التصويت العام لدى اليهود يبلغ 85%، ما يؤكد فعاليتهم السياسية والأكثر تنظيماً وتبرعاً، فنصف التبرعات التي يتلقاها الديمقراطيون تأتي من اليهود، بينما يتلقى الجمهوريون ربع تبرعاتهم منهم.
ورغم ضآلة تأثير الصوت اليهودي عددياً، إلا أنه يصبح أكثر أهمية بالنظر إلى أن تجمعاتهم السكانية تتركز في الولايات المترددة: فلوريدا بنسلفانيا ومتشيغان وأوهايو، فمعدّل اليهود في فلوريدا - على سبيل المثال - هو ضعف المتوسط العام، وبذلك من دون اليهود لن يتمكن ترامب من البقاء في البيت الأبيض. وبالمقارنة فإن اليهود دعموا المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بما نسبته 71%، بينما حصل ترامب على ما نسبته 24% من أصواتهم في انتخابات العام 2016.
ينقسم يهود الولايات المتحدة بين ليبراليين بنسبة 80% يؤيدون الحزب الديمقراطي، ويهود أرثوذكس يشكلون 20% يؤيدون الحزب الجمهوري. وما يفسر تأييد أغلبية يهود أميركا للحزب الديمقراطي أنهم يعتبرون أنفسهم أقلية، وبذلك يؤيدون حقوق الأقليات بشكل عام، ورغم أنهم أقلية مميزة وثرية عموماً إلا أنها تواجه تعاملاً عنصرياً على الصعيد الاجتماعي في الكثير من الأحيان، لذلك فالناخب اليهودي يهتم أولاً بما يطالب به أي أميركي من الحقوق العامة كمواطن، وثانياً يطالب بحقوقه كأقلية، وثالثاً العلاقة بين أميركا وإسرائيل. هذه العناصر الثلاثة بالترتيب من حيث الأهمية هي التي تحكم بشكلٍ عام توجهات اليهود الانتخابية سواء للرئاسة أو مجلسَي الشيوخ والنواب. وعلى سبيل المثال، فإن الاستطلاع الأخير أشار إلى هذه التوجهات كالتالي: معالجة أزمة «كورونا»، الرعاية الصحية، الاقتصاد، العنصرية واللاسامية، الرقابة على السلاح، العلاقات مع إسرائيل.
بين المفارقات والمقاربات حول الصوت اليهودي، أين موقع لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) من ذلك كله. تشير تقارير مختلفة إلى أنّ هذا اللوبي بدأ يجد صعوبة في تحديد مواقفه؛ نتيجة للانقسامات الحادة بين مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس الشيوخ الذي يحوز الجمهوريون فيه على الأغلبية بفارق بسيط، وتلاحظ في هذا السياق إحدى نتائج هذا الانقسام، الذي امتد ليطال جسم «أيباك»، عندما، وفي خطوة غير مسبوقة، أعطت النواب والشيوخ المقربين والمنتمين لها الضوء الأخضر لانتقاد «مخطط الضم» في سياق «صفقة القرن» شريطة عدم المساس بالمساعدات الأميركية لإسرائيل. وهذه خطوة غير معتادة اضطرت لها منظمة تعبّر دائماً عن مصالح إسرائيل، وفقاً لما يراه رئيس حكومتها.
ولا تغيب حقيقة أن الحزب الديمقراطي كان الأكثر التزاماً بالتعاون الإستراتيجي والشراكة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مقارنة بالحزب الجمهوري، إلا أن الحقيقة الإضافية التي لا بد من أخذها بالاعتبار هي أن الحزب الديمقراطي شهد تحولات مهمة خلال العقد الأخير، ومن المرجح - في حال فوز بايدن - أن يواصل سياسة الحزب الجديدة التي عبر عنها الرئيس أوباما خلال أشهر ولايته الأخيرة إزاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.