بقلم : هاني حبيب
تطورات بالغة الأهمية تشهدها حالة الاشتباك المستمرة بين قطاع غزة والاحتلال، ربّما تمهّد لحالة تصعيد جديدة بادرت إليها سلطات الاحتلال عندما سرّبت عبر وسائل إعلامها أن جبهة الجنوب (قطاع غزة) باتت الأكثر سخونة مقارنة مع باقي الجبهات وعلى أعلى سلم أولويات جيش الاحتلال، في وقت تغلق فيه الطرق في مستوطنات غلاف القطاع ليقوم الاحتلال بتعزيز قواته ومنع المستوطنين من الاقتراب من «السياج الحدودي»؛ تحسباً لما قيل عن احتمالات قيام المقاومة بعمليات قنص انطلاقاً من القطاع، بينما توقف سلطات الاحتلال أعمال بناء الجدار العازل مع تسريب معلومات حول تمكّنها من تحديد مواقع عدد من الأنفاق تعبر من القطاع إلى داخل إسرائيل. وتزامن كل ذلك مع قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية بغارات وهمية محدثة انفجارات مدوية في أجواء القطاع كرسالة واضحة تُعزّر احتمالات التصعيد، والتهديد بحرب أشمل، خاصة في ظل تدهور حالة الأسير المضرب عن الطعام ماهر الأخرس لليوم السادس والثمانين، ما ينذر بردود فعل لا يمكن التنبؤ بمدى تأثيرها على الانتقال من حالة الهدوء إلى حالة التصعيد، ولا شك أن دولة الاحتلال تضع مثل هذه السيناريوهات والاحتمالات في ظل مواجهة محتملة.
بات من المعروف أن كلاً من «حماس» والاحتلال لا تريدان الانجرار إلى حملة عسكرية واسعة، غير أن صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في ظل تسريباتها المتعمدة، أشارت إلى أن حالة التأزم الاقتصادي وعدم الاستقرار، وفشل التوصّل إلى تفاهمات تضمن تحويل الأموال القطرية لمدة عام مع إدخال المزيد من عمال القطاع إلى الداخل المحتل، وإيجاد حلول مقنعة لمشكلات المياه والكهرباء، إضافة إلى إنشاء مدينة صناعية، كلها عناصر من شأنها، حسب الصحيفة، الحيلولة دون تحوّل التسخين إلى تصعيد، مشيرة إلى أن القضية الأهم من بين هذه القضايا هي تلك المتعلقة بقضية الأسرى والمفقودين التي بقيت دون حل، الأمر الذي يوفر أسباباً لاندلاع حربٍ واسعة رغم عدم رغبة الطرفين فيها، ما دفع هيئة الأركان الإسرائيلية، حسب الصحيفة، إلى وضع هذه الإمكانية كأولوية، حيث أعدت خططاً عملية لحملة عسكرية واستعدادات مكثفة من شأنها في حالة التدحرج إلى حرب واسعة تغيير الوضع تغييراً شاملاً، كما جاء في تسريبات الصحيفة.
وبالإشارة إلى فشل صفقة الأسرى؛ على ضوء تمسّك حركة حماس بشروطها المتعلقة أولاً بالإفراج عن الأسرى الذين تمت إعادة اعتقالهم بعد إخلاء سبيلهم إثر صفقة شاليت، وثانياً مطالبة الحركة بضمانات ملزمة حتى لا تتكرر حالات عدم الالتزام كما جاء في الصفقة السابقة، وفي الوقت الذي تخضع فيه المستويات السياسية في إسرائيل إلى أزمة حكومية واحتمالات متزايدة للتوجه نحو انتخابات رابعة؛ نتيجة التفكك الداخلي لهذه الحكومة، من الصعب أن نلحظ أيّ إمكانية لعقد صفقة بشأن تبادل الأسرى، بينما تقوم دولة الاحتلال تكتيكياً بإرسال رسائل بين وقت وآخر لعائلات جنودها الأسرى تفيد بأنها تعمل بكل جهد للإفراج عنهم وعن جثامينهم، بحيث تطرح هذه المسألة وهي على قناعة بعدم إمكانية تحققها في الوضع الراهن، وكي تكون مجرد رسائل تطمين، ذلك أن دولة الاحتلال ليست في حالة تسمح لها بالخضوع لاشتراطات حركة حماس.
وفي ظل هذا التسخين يمكن أن نلحظ عدم وجود أي حديث جدي عن هدنة أو تهدئة، باستثناء تسريبات الاحتلال عن اجتماعات ومباحثات جرت مؤخراً بين ممثلين عن المنظومة الأمنية الإسرائيلية ومسؤولين قطريين بشأن توفير مقومات التهدئة ذات الأبعاد المالية والاقتصادية، وهو ما نفته حركة حماس على لسان عضو مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق، معتبراً أن هذه التسريبات مجرد كذب ولا أساس لها من الصحة، مؤكداً أنه ليست هناك وساطة قطرية لإبرام هدنة طويلة الأمد، الأمر الذي يضعنا أمام التساؤل: هل سيتحول التسخين إلى تصعيد أم سيتم استبدال الهدنة بتهدئة من جديد؟