بقلم : هاني حبيب
لم تمض سوى أيام قليلة على خطة «أبراهام» بين الثلاثي: إسرائيل وأميركا والإمارات، حتى تبين أن جوهر ومبرر هذه الخطة لم يكن مرتبطاً بتعليق أو تجميد «خطة الضم». وتبيّن من الجدل المحتدم بين مسؤولين في الدول الثلاث أن تزويد الولايات المتحدة للإمارات بطائرات f-35 الأكثر تطوراً في العالم كان في صلب الاتفاق الثلاثي، وظهرت الملفات الأخرى في سياق التفاصيل رغم أهميتها.
من خلال النقاشات التي سادت الأوساط المعنية بالخطة، تبدو الإمارات وكأنها من الممكن أن تلجأ إلى كل سبيل ووسيلة للتزود بهذه الطائرات، وأنّ سعيها لذلك لم يبدأ مع «صفقة القرن»، بل منذ أكثر من عشر سنوات سابقة على الأقل، فلماذا كل هذا الاهتمام بهذه الطائرات من قبل الإمارات؟ هذا السؤال يبقى معلقاً إلى حين الحصول على إجابة مقنعة، ذلك أنّ الإجابة عن هذا السؤال تنطوي على طرح أسئلة بالغة الأهمية، هل هناك حاجة فعلية لتزوّد الإمارات بهذه الأسلحة الهجومية المتطورة؟ وحتى مع افتراض أنّ هناك تهديداً خارجياً ما، وعلى افتراض أنّ إيران تشكّل تهديداً مباشراً للإمارات، فهل هذه الطائرات كافية لكي تمنحها القدرة على مواجهة مثل هذا التهديد المفترض؟
إنّ كل خبراء الأمن على مستوى العالم أشادوا بالقدرات الفائقة لهذه الطائرات، إلاّ أنهم يجمعون تقريباً على أنها لن تغيّر كثيراً في ميزان القوة العسكري بين الإمارات وإيران والمائل كلياً لصالح الثانية، حتى مع الحصول على أسلحة مساندة متطورة، وأنّ الإمارات تعتمد على تعديل ميزان القوى بشكلٍ أساسي من خلال توفير الحماية الأميركية لها وليس من خلال حصولها على الأسلحة المتطورة.
وسؤال آخر، في ذات السياق، هل الحديث المسهب عن أنّ خطة «أبراهام» تتعلق بشرط إماراتي بالحصول على هذه الطائرات يترافق مع محاولة الأطراف الثلاثة توجيه الاهتمام إلى ما يقال عن الخطر الإيراني الذي يهدد أمن المنطقة واستقرارها حسب زعم هذه الأطراف، باعتبار أنّ هذا التهديد الافتراضي هو الذي يستلزم توجيه الاهتمام إليه من مختلف أطراف منطقة الخليج، خاصة تلك الدول التي من المتوقع أن تهرع للالتحاق بركب «أبراهام»، وبالتالي فإن هذا التوجيه الأمني والنفسي يهدف فيما يهدف إلى تأكيد هذا التهديد باعتباره انزياحاً وبديلاً عن التهديد الحقيقي المتمثل بالدولة العبرية، باعتباره الخطر الداهم على أمن المنطقة واستقرارها.
هل حقاً أنّ الإمارات العربية هي التي تريد التزود بهذه الطائرات، وأنّ أميركا وإسرائيل كانتا تمانعان ذلك، وبالتالي تضمنت خطة «أبراهام» تراجعاً من قبلهما، وهذا هو السؤال الثالث في هذا السياق، هل أنّ أميركا لا تمانع في تزويد الإمارات بها إلاّ أن الرفض الإسرائيلي حال دون ذلك، وأن «أبراهام» جاء لإزالة المعارضة الإسرائيلية على عقد هذه الصفقة التي سعت واشنطن طوال الوقت لإبرامها.
عاموس هرئيل المحرر العسكري في صحيفة هآرتس كتب مؤخراً، مؤكداً أنّ تزويد الإمارات بهذه الطائرات من قبل واشنطن لم تتم المصادقة عليه من قبل إدارتي أوباما وترامب فقط نتيجة لمعارضة إسرائيل القوية لهذه الصفقة، خاصة من قبل قائد سلاح الجو السابق الجنرال إمير إيشل والجنرال احتياط عاموس جلعاد الذي كان يشغل رئيس القسم السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية.
كذلك جاء تصريح السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان ليشير إلى ضرورة أن تكف إسرائيل عن معارضة هذه الصفقة، مشيراً إلى أنّ ذلك لا يقوّض التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي، وبالتالي فإن عقد هذه الصفقة لن يشكل أي خطر على أمن إسرائيل بأي حال من الأحوال.
مع هذه التساؤلات، ثمة ما يشير إلى رغبة قوية لدى إدارة ترامب لعقد هذه الصفقة، بعد أن أصبحت بحاجة ماسة إليها للحصول على مئات المليارات الضرورية لإنعاش الاقتصاد الأميركي المتدهور على أبواب الانتخابات الأميركية، وأنّ خطة «أبراهام» تهدف إلى إزالة الاعتراض الإسرائيلي الذي كان يمنع الحصول على هذه المليارات في إطار عقد هذه الصفقة.