بقلم :هاني حبيب
المجرم بطبيعته ينكر جريمته، وأكثر من ذلك يسعى للهرب من محاكمته ويحاول بكل إمكانياته الإفلات من العقاب. هذه حال الحكومة الإسرائيلية ورئيسها نتنياهو.. هذا الأخير، خضع قبل يومين لمحاكمته على جرائم فساد ورشوة واحتيال، وبطبيعة الحال فقد أنكر كل هذه الاتهامات، وزاد على ذلك أن شن حرباً متجددة على القضاء الإسرائيلي، متهماً إياه بتدبير انقلاب على رئيس حكومة يميني لصالح حكومة يسارية لتخلفه في رئاسة الحكومة.
هذه صورة كاريكاتورية مستنسخة عن موقف نتنياهو وحكومته من قرار «الجنائية الدولية» الأخير، والقاضي بولايتها القانونية والقضائية على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، وهو القرار الذي حسم الجدل القانوني لدى المحكمة حول الاختصاص الإقليمي لها، الأمر الذي كان متوقعاً بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض، الذي عمل في سياق دعمه للاحتلال الإسرائيلي على إدراج المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا ومسؤولين آخرين على لائحة العقوبات الأميركية، كما يأتي هذا القرار قبل أن تترك بنسودا منصبها في حزيران القادم. وإضافة إلى أنّ القرار يشير إلى اختصاص المحكمة، فإنه أيضاً يجعل من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 منطقة جغرافية وسياسية واحدة، وذلك خلافاً لما تضمنه اتفاق أوسلو من تقسيم هذه المنطقة إلى مناطق مختلفة الولاء والسيادة، وهذا إنجاز قومي جرى من خلال هذا القرار.
وكما فعل نتنياهو في إعلان الحرب على القضاء الإسرائيلي على خلفية توجيه تهمٍ له بالفساد والرشوة والاحتيال متهماً القضاء الإسرائيلي بالعنصرية والتآمر، هذه التهم تتكرر من قبلة مجدداً إثر القرار الصادر عن «الجنائية الدولية» بإقرار اختصاصاتها القانونية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، فاتهم «الجنائية الدولية» بمعاداة السامية وأنها مسيسة، علماً أنّ الجنائية الدولية كانت مسيسة فعلاً عندما خضعت للضغوط الإسرائيلية والأميركية؛ عندما أحالت مسألة ولايتها لتنظر فيها الدائرة التمهيدية في المحكمة، إذ كان باستطاعة المحكمة المباشرة بالتحقيق فوراً مع القتلة الإسرائيليين دون العودة إلى الدائرة الابتدائية وذلك وفقاً لميثاق روما، إلّا أنّ المحكمة قد تخلصت من أن تكون مسيسة بعدما أعادت إلى قوانينها وميثاق روما التي قامت على أساسها، وتمكنت بذلك من مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأميركية الهادفة إلى عدم الإقرار بولايتها على الأرض الفلسطينية المحتلة.
وفي سياق الحرب الإسرائيلية المفتوحة على «الجنائية الدولية»، أبرقت وزارة الخارجية إلى سفراء إسرائيل حول العالم لمطالبة وزراء خارجية ورؤساء حكومات بنشر بيانات علنية لمعارضة قرار المحكمة، وقد هددت دولة الاحتلال هذه الدول من أنّ عدم إقدامها على هذه الخطوة من شأنه خلق أزمات دبلوماسية معها، في حين تقرر أن يرسل نتنياهو رسائل خطية إلى الدول المركزية بهذا الشأن، في وقت اتفقت فيه دولة الاحتلال مع دول أعضاء في المحكمة على منحها إنذاراً مبكراً في حال تقرر ملاحقة واعتقال قادة إسرائيليين فور وصولهم إلى هذه الدول، وقبل استصدار أمر باعتقالهم، مع توفير حماية لكل من يرد اسمه من مجرمي الحرب الإسرائيليين على قائمة الملاحقة من قبل «الجنائية الدولية».
في نفس الوقت، فإن حكومة نتنياهو تحاول التأثير على اختيار خليفة لبنسودا في رئاسة الجنائية الدولية، وتعمل مع شريكها الأميركي للتأثير على اختيار هذا الخلف بما ينسجم والرؤية الأميركية والإسرائيلية، لهذا من المفترض أن تسعى السلطة الفلسطينية إلى حث الجنائية الدولية على الإسراع في تحقيقاتها وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.