بقلم : هاني حبيب
بينما تستمر المواجهات الدامية بين أذربيجان وأرمينيا، تستدعي هذه الأخيرة سفيرها من إسرائيل بعد أن تبيّن أن معظم الهجمات التي قامت بها أذربيجان قد تمت بأسلحةٍ إسرائيلية، الأمر الذي يعيد فتح ملف العلاقات غير العادية والمميزة بين إسرائيل وأذربيجان. ففي إطار الصراع المسلّح في منطقة ناغورني قره باغ، تبرز إسرائيل في المشهد وفي العمق منه وتتميّز من خلال موقعها في هذا المشهد عن باقي الأطراف الأخرى ذات العلاقة في هذا الصراع كروسيا وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا.
وتبرز إسرائيل باعتبارها أكبر مزوّد للسلاح لأذربيجان، حسب بيانات المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، الذي أشار إلى أن إسرائيل زوّدت باكو بين عامي 2014 و2018 بما يعادل خمسة مليارات دولار أي بنسبة 17% من ورادات أذربيجان من السلاح، والتي تعتبر الدولة الثانية بعد الهند التي تعتمد على إسرائيل في التسلّح، وقد أثنى إلهام علييف الرئيس الأذري مؤخراً على أن بلاده تشتري أسلحةً متطورة من إسرائيل التي تعتبر مزودها الأوّل في التسلّح.
العلاقات بين البلدين بدأت فور إعلان تفسّخ الاتحاد السوفياتي وتبعثر جمهورياته ودوله السابقة واستقلال أذربيجان في العام 1991. ولم يمض عام على ذلك حتى نجح وزير الخارجية الإسرائيلية الأسبق، أفيغدور ليبرمان، في نسج علاقة وطيدة مع الدولة الوليدة، حيث زارها وعقد عدة اتفاقيات معها، الأمر الذي كان من شأنه تحوّل أذربيجان إلى شريك إستراتيجي لإسرائيل، لتصبح أهم دولة إسلامية ترتبط بعلاقات هي الأقوى مع الدولة العبرية والأكثر تميّزاً؛ ذلك أن أهمية هذه العلاقة تعود إلى الموقع الجيوإستراتيجي لأذربيجان بالنسبة لإسرائيل، فهي تطل على بحر قزوين وحدودها تلامس إيران وأرمينيا وروسيا وجورجيا، حيث تتكوّن جملة من المصالح مع هذه الدول في الوقت الذي يصبح الاهتمام بالمسألة الإيرانية في جوهر العلاقات بين الدولة العبرية وأذربيجان، ويضاف إلى هذا الموقع المتميّز أن إسرائيل تتزوّد بمعظم وارداتها من النفط منها، وهي دولة غنية بما يمكن لها من شراء الأسلحة والمعدات العسكرية من الدولة العبرية. ومن هنا، فإن النزاع الجاري اليوم في قره باغ يشكّل بوابة إضافية وبؤرة استثمارية لتسويق وتوريد المزيد من الأسلحة الإسرائيلية المتطورة إليها، وبينما تطل إسرائيل وكأنها على هامش ما يجري من صراع في هذه المنطقة، فإنها تتبوأ في حقيقة الأمر عمق هذا الصراع ومن أكثر المستفيدين منه.
يشير يوسي ميلمان، الخبير الأمني الإسرائيلي في صحيفة معاريف، إلى هذه العلاقة بين البلدين، واصفاً إياها بالعلاقة الغرامية، مؤكداً على استثمار إسرائيل للعلاقات المتوترة بين أذربيجان وأرمينيا، وأن إسرائيل حرصت منذ أقامت علاقات مع باكو قبل 28 عاماً على تنوّع تبادل المصالح بينهما، وبحيث تتجاوز المصالح التسليحية والنفطية إلى المصالح الأمنية والتجسسية، متحدثاً عن نجاح إسرائيل في إقامة قاعدة كبيرة للموساد بالقرب من الحدود الأذرية الإيرانية، حيث تقوم هذه القاعدة بالفعل برصد كل التحركات على الجانب الإيراني من خلال عمليات تنصّت ومراقبة.
في وثيقة نشرت على موقع ويكيلكس، يتبيّن أن العلاقة بين البلدين تتجاوز المصالح النفطية والتسليحية والاقتصادية رغم أهميتها، باعتبار أذربيجان موقعاً للتجسس الإسرائيلي على إيران عن قرب مستفيدةً من ذلك، إضافة إلى الإمكانيات التقنية من وجود جالية أذرية كبيرة في إيران في حين توجد جالية يهودية في أذربيجان، الأمر الذي يشكّل قواعد متقدمة في الشراكة الأذرية – الإسرائيلية في المواجهة مع إيران.
وقبل عامين وقّعت الحكومة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة سلسلة اتفاقيات عسكرية مع عدة دول من بينها أذربيجان في سياق المواجهة مع إيران، ومن بين هذه الدول وفي طليعتها أذربيجان، الأمر الذي أعاد إلى وسائل الإعلام الحديثة توفر إمكانيّة لمهاجمة إيران من الأراضي الأذرية، خاصة بعد إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الجيشين الإسرائيلي والأذري، الأمر الذي يفتح المجال أيضاً للسماح للطائرات العسكرية الإسرائيلية بالإقلاع من أراضيها واستخدام أجوائها.