بقلم :هاني حبيب
درج التقدير السنوي الاستراتيجي الصادر عن مركز أبحاث «الأمن القومي» الإسرائيلي إلى تحديد وتصنيف سلم أولويات التهديدات الماثلة أمام دولة الاحتلال، فالتقرير الأخير الصادر حول تحديات العام 2021، وللمرة الأولى منذ تأسيسه العام 2006 في جامعة تل أبيب يتضمن تصنيف الوضع الداخلي الإسرائيلي كأحد التهديدات الثلاثة التي تواجه إسرائيل، الحرب في الشمال «سورية ولبنان» والحرب مع إيران ثم الأزمة الداخلية في إسرائيل الناجمة عن فشل التعامل مع جائحة كورونا وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والصحية، والشلل الحكومي الذي أدى إلى وجود دولة بلا ميزانية وظاهرة فوضى صناعة القرار الحكومي على ضوء تراكم التناقضات والتعارضات الحزبية وتراجع ثقة الجمهور بالدولة عموما وحكومات نتنياهو على وجه التحديد وتزايد الفجوات العميقة في المجتمع الإسرائيلي.
ويتوصل التقرير في تقديراته إلى حقيقة أن القضية الفلسطينية لم تختف، وأن إضعاف السلطة الفلسطينية وتراجع قدرتها على السيطرة وتناقص نفوذها أدى إلى أزمات في الوضع الداخلي الفلسطيني. وفي ظل إقامة علاقات تطبيع رسمية مع بعض الدول العربية يرى التقرير أن في ذلك ما قد يحث الفلسطينيين على العودة إلى المواجهة، حسب تقدير المركز، لذلك فإنه يوصي بالتوصل إلى تفاهمات مع حركة حماس تؤدي إلى وقف إطلاق النار وحل قضية الإسرائيليين المعتقلين لديها مقابل تحسين أوضاع سكان القطاع بما في ذلك وعلى الأخص في مجال البنية التحتية.
ويلحظ تقدير المركز أن إدارة بايدن ستظهر دعما أقل لمواقف إسرائيل مقارنة مع إدارة ترامب وستتعاون مع الدول الأوروبية لاستئناف العملية السياسية التفاوضية على الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، وهذا يتطلب حسب توصيات المركز دعم وجود سلطة فلسطينية قوية غير معادية، باعتبارها العنوان الشرعي الوحيد لتسوية مستقبلية محتملة، وسيساعد في ذلك دمج كل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية في إطار التعاون الإقليمي، ونعتقد أن التقرير يقصد بالتعاون الإقليمي هذا التحالف الجديد الذي أخذت إسرائيل تتزعمه بعد التوقيع على اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية واحتمالات متزايدة بانضمام المزيد إليها إضافة إلى مساع تركية من المتوقع على نطاقٍ واسع الانضمام إلى هذا التحالف الإقليمي.
ورغم أن التقرير يكرر على ما جاء في تقديراته وتقاريره السنوية السابقة حول تصنيف سلم التهديدات الأمنية، الشمال من سورية ولبنان، وإيران ثم الجبهة الجنوبية في قطاع غزة، إلّا أن الجديد الذي عكسه التقرير في هذا السياق يتعلق بالمستجدات التي حدثت خلال العام 2020 والتي من شأنها أن تؤثّر مباشرةً على مستوى التهديدات في العام الجاري 2021، خاصة فيما يتعلق بالتهديد الإيراني. إذ لاحظ التقرير أن هناك إمكانية متزايدة لتصاعد التوترات مع إيران على خلفية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده وقبل ذلك اغتيال قاسم سليماني، في وقت تضاعفت فيه قدرات إيران العسكرية والسيبرانية وطائرات الدرون المسلحة والقاذفة والانتحارية بينما تمكّن «حزب الله» من الحصول على المزيد من الأسلحة الدقيقة بالتوازي مع احتمالات متزايدة بأن تشهد الحرب القادمة في حال حدوثها تعاونا شاملا بين مختلف الجبهات في الشمال والشرق والجنوب.
وبينما يتحدّث التقرير عن احتمالات الحرب، فإنّه يدعو إسرائيل ومنذ الآن، إلى وضع سيناريوهات تفصيلية للخروج من هذه الحرب بسرعة وترجمة إنجازاتها العسكرية إلى إنجازات سياسية، وعلى الأرجح فإن التقرير يقصد هنا فشل حروب إسرائيل المتلاحقة على الفلسطينيين في تحقيق إنجازات سياسية، بينما نجحت بعد حرب تشرين العام 1973 في تحقيق إنجاز سياسي تمثل بتحولات أدت إلى معاهدة التطبيع مع مصر وما تبع ذلك من إنجازات سياسية لدولة الحرب الإسرائيلية.