بقلم : هاني حبيب
بينما المنظومة العربيّة، تتهيّأ للتعاطي الإيجابي مع ما تعتقد أنّها تحوّلات في السياسة الخارجيّة الأميركيّة مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، حسب ما تناولناه في مقالتنا في «الأيام» الأحد الماضي، فإنّ إسرائيل من ناحيتها، تتهيّأ للتعاطي القلِق مع الإدارة الجديدة، وفي حين أنّ المنظومة العربيّة تعتقد أنّ الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي سيكون أولويّة للسياسة الخارجيّة الأميركيّة، فإنّ الإدارة الإسرائيليّة ترى عن حق أنّ أولويات الإدارة الجديدة في سياق ملفات الشرق الأوسط سيكون الملف الإيراني والاتفاق النووي تحديدًا.
شهد الأسبوع الماضي عدّة تحركات إسرائيليّة تؤكّد أنّ الدولة العبريّة قد بدأت عمليًا الضغط على الإدارة الجديدة حتى قبل أن تتسلّم مفاتيح البيت الأبيض، لكي تتعامل هذه الإدارة مع متطلبات ورؤيّة إسرائيل مع هذا الملف الحسّاس، وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، في تصريح لوسائل الإعلام الإسرائيليّة، وقبل ساعات قليلة من خطاب نتنياهو في مراسم إحياء ذكرى دافيد بن غوريون، حذّر الأوّل من أنّ إدارة بايدن ستتبع سياسة إيجابيّة نحو إيران مثلما كان الأمر عليه في عهد الرئيس السابق أوباما، والتي أدّت حسب كوهين إلى ربيع عربي واتفاق نووي مثقوب مع إيران، زاعمًا أنّ هذه السياسة ستؤدي إلى إلغاء العقوبات عن إيران وستسهم في زيادة أنشطة حزب الله وحركة حماس والميليشيات الشيعية في سورية واليمن وستؤجّل أو توقف وصول قطار التطبيع العربي مع إسرائيل إلى نهايته.
أمّا خطاب نتنياهو الذي سبق الإشارة إليه فقد حمل رسالة واضحة وأكثر تحديدًا إلى الرئيس المنتخب جو بايدن: يحظر العودة للاتفاق النووي مع إيران، ويجب عدم السماح لإيران بحيازة سلاح نووي وتطويره، كما يجب عدم المساومة في العلاقة مع طهران وإعادة دورها في المنطقة، كذلك التذكير بأن السياسة الإسرائيليّة وفقًا لهذه المنطلقات ضد إيران فإنّ بوادر السلام باتت تطل على المنطقة من خلال قيام دول عربيّة مؤثّرة بالتطبيع مع إسرائيل، ما يشجّع دولاً عربيةً وإسلاميةً الإقدام على مثل هذه الخطوة.
يُذكر بهذا الصدد أنّ بايدن كان قد أعلن موقفًا معارضًا للانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، مُعتبرًا أنّ ذلك يشكّل خطرًا قاتلاً كونه سرّع ودون أن يوقف سعي إيران للحصول على سلاحها النووي وتطويره وتعزيز قدراته، وأثناء حملته الانتخابية أعلن استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران إذا التزمت طهران ببنوده وشروطه، كما أعلن أنّ إدارته ستتصدى لما أسماه أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، مع ذلك فهناك من يعتقد أنّ من الصعب على الإدارة الجديدة التعامل الإيجابي مع إيران في حال فوز المحافظين في الانتخابات الرئاسيّة الإيرانيّة المقرّرة منتصف العام القادم.
وخلافاً للمنظومة العربيّة، فإن ما يجمع بين إسرائيل والإدارة الجديدة حول أولويّات سياسة بايدن الخارجيّة أنّ كل منهما يعتبران الملف الإيراني هو المسألة المركزيّة وجوهر هذه السياسة التي ينبغي التعامل معها باعتبارها المسألة الضاغطة عليهما، بخلاف الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي الذي لا يشكّل أي ضغط بحيث يعطى الأولويّة في مثل هذه السياسة، وما يزيد أولوية هذا الملف بالنسبة لهما إمكانية متزايدة من قِبل إسرائيل على أن تستبق وصول بايدن إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني القادم بشن حرب على إيران أو على الأقل شن حرب تهديد دائم ضد طهران، وقد مهدت لذلك بتحالفات مع دول التطبيع العربيّة، وهذا ما يفسّر كل ما قيل عن الزيارة التي قام بها نتنياهو ورئيس الموساد يوسي كوهين إلى السعودية، وبصرف النظر عن حدوث هذه الزيارة من عدمه فإن الحديث حولها يؤكّد أنّ الملف الإيراني وربما الحسم العسكري بات مطروحًا بقوة، بما يفرض على إدارة بايدن من وجهة نظر إسرائيليّة التعامل معه وفقًا لرؤية التحالف الجديد الذي تقوده إسرائيل انطلاقًا من المنطقة العربيّة والشرق الأوسط بشكلٍ عام.