بقلم : هاني حبيب
راهن عدد كبير من المحللين الاقتصاديين على مستوى العالم على أن التوصّل إلى لقاح لوباء كورونا من شأنه أن يعيد الاقتصاد الدولي إلى عافيته، ومرد ذلك لأنّه سيوفر شروطاً لاستعادة الحياة الاقتصادية التي تراجعت إلى حد كبير ومؤثر إثر تفشي الوباء وانعكاس ذلك بشكل مباشر على مختلف الأنشطة الاقتصادية على مستوى العالم، حيث تأثرت الدول كافة بصرف النظر عن مستوى تقدّمها الاقتصادي بهذا الوباء.
وقد لاحظ هؤلاء المنحنى الاقتصادي المترافق مع منحني تفشي الوباء بين فترات الإغلاق وفترات التعافي، في مقاربة انطوت على تلازم تحسّن الاقتصاد نسبياً بعد كل فترة من فترات التعافي النسبي من الوباء، فعجلة الاقتصاد تتحرك وفقاً لتفشي الوباء أو تراجع تفشيه، ما زاد من قناعة المحللين الاقتصاديين بالترابط المتزامن بين تراجع تفشي الوباء وتراجع الأزمات الاقتصادية الناجمة عن هذا التفشي.
عجلة الاقتصاد الدولي باتت ومنذ الثورة الصناعية في أوروبا الغربية بالقرن الثاني عشر تعتمد اعتماداً كلياً على صناعة النفط، ومنذ ذلك الوقت باتت الدول الأكثر استهلاكاً للنفط لإدارة محركات صناعتها هي الأكثر تقدماً من الناحية الصناعية والاقتصادية، كما أنّ الدول الأكثر إنتاجاً للنفط باتت أكثر استفادة من التقدّم الصناعي وزيادة استهلاك النفط لكنها ليست بالضرورة دولاً صناعية متقدمة، الطفرة الصناعية باتت مترافقة مع الطفرة النفطية خلال مراحل الثورة الصناعية الثلاث الأولى، ومع أننا نشهد في السنوات الأخيرة بداية الثورة الصناعية الرابعة والتي تعتمد على تكنولوجيا الذكاء الصناعي، إلاّ أن ذلك لا يعني تراجع أهمية النفط في الحياة الاقتصادية الدولية، خاصة في المرحلة الانتقالية بين الثورتين الثالثة والتي اعتمدت على الحواسيب والإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات والثورة الرابعة المعتمدة على الذكاء الصناعي فإن هذه الفترة ستظل تعتمد اعتماداً كبيراً في تطوير أدواتها على النفط والغاز.
إلاّ أنّ ظهور وباء كورونا وتفشيه بعد تحوّله إلى جائحة وبشكل مفاجئ من شأنه أن يشكّل هذا العنصر الجديد تأثيراً مباشراً على مدى تقدّم الاقتصاد الدولي والانتقال السريع إلى الثورة الصناعية الرابعة، ذلك أن منحنيات هذا الوباء وتفشيه باتت تعتبر مقياساً يمكن الاعتماد عليه لقراءة مستويات هذا التأثير ويعود ذلك في قسم منه إلى درجة استهلاك النفط وبالتالي إلى سعر البرميل النفطي كمقياس للمنحنى الاقتصادي في ظل «كورونا».
وهنا يمكن ملاحظة لا بد من تسجيلها، فمع التوصل إلى إنتاج عدة أنواع من اللقاحات في الآونة الأخيرة بدأت موجة من الآمال بتحسن الاقتصاد الدولي من خلال مؤشر أسعار النفط الذي ارتفع إلى ما يزيد على 50$ للبرميل بعد فترة كساد طويلة، إلاّ أن هذه الأسعار عادت للتراجع بعد أن تبين أنه رغم الوصول إلى هذه اللقاحات فإن ذلك لن يؤثر بشكلٍ مباشر على منحنى الإصابات والوفيات وتفشي الوباء ما أدى إلى تراجع سعر برميل النفط إلى 46$، وذلك بالترافق مع إجراءات الإغلاق خاصة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة أكبر مستهلك للخام في العالم وكذلك إعلان كوريا الجنوبية العودة إلى إجراءات إغلاق صارمة للحيلولة دون تفشي الوباء من جديد علماً أنها إحدى أهم الدول المستوردة للنفط في العالم، والأمر كذلك مع مقاطعة بافاريا جنوب ألمانيا وهي إحدى أهم المناطق الصناعية، يستنتج من ذلك أن سعر برميل النفط يشكل أحد عناصر قراءة المعادلة بين منحنى سعر البرميل وتفشي الوباء.