بقلم : هاني حبيب
قبل أيام قليلة من اجتماع مجلس الأمن لمناقشة التمديد لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «اليونيفيل»، قامت إسرائيل بافتعال متعمّد لتسخين وتصعيد التوترات المسلحة في جنوب لبنان، في الحدث الأخير وحسب نتائج تحقيق إسرائيلي، أن خلية تابعة لـ»حزب الله» أطلقت رصاصتين من منزل في قرية الحولا تجاه قوة للجيش الإسرائيلي من مسافة مئتي متر دون إصابات، إثر ذلك توجّهت إسرائيل بالتقدّم بشكوى لمجلس الأمن الدولي تطالبه بتعزيز وتقوية تفويض قوة «اليونيفيل» بسبب تقاعسها عن أداء مهامها المطلوبة، وردّت قوات الجيش الإسرائيلي على ما وصفتهم بالقناصة اللبنانيين بثلاثة عشر صاروخاً، و117 قنبلة ضوئية ومئة قذيفة مدفعية، بينما قام عدد من المروحيات بإحراق مزارع القرية وأحراشها.
ولاحظت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن رد الجيش الإسرائيلي على هذا الحدث كان مبالغاً فيه تماماً، إذ لم يكن هناك أي مبرر لاستخدام كل هذه القوة النارية رداً على رصاصتين، إلا أننا نقدّر أنّ هذا الرد كان مدروساً بعناية من قبل المستويات الأمنية والسياسية في إسرائيل، خاصةً مع ترافقه مع شكوى إسرائيلية إلى مجلس الأمن قبيل اتخاذه قراراً للتمديد لليونيفيل، إذ إن هذا التسخين الناري المتعمّد من شأنه الضغط على مجلس الأمن لتعديل مهمات قوات الأمم المتحدة وتعزيزها بما يكفل لها حرية الحركة في الجنوب اللبناني والتقصّي عن أنفاق «حزب الله» وقواعده ومخازن أسلحته وتحرّك قواته.
بالفعل، جدّد مجلس الأمن الدولي، أول من أمس، تفويض قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «اليونيفيل» لسنة واحدة، وتم تخفيضها من 15 ألف جندي إلى 13 ألفاً، إلّا أن قرار التخفيض هذا غير واقعي لأن عديد هذه القوات قرابة 10 آلاف فقط، إلّا أن الجديد والخطير في هذا القرار مطالبة الدولة اللبنانية بتسهيل وصول قوات «اليونيفيل» إلى أنفاق «حزب الله» التي تعبر الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل، كما يدعو القرار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى وضع خطة مفصّلة تتضمّن آليات ومواعيد محددة بالتنسيق مع لبنان والدول المساهمة في هذه القوات، بهدف تحسين أداء «اليونيفيل» بما يكفل المزيد من المرونة والقدرة على الحركة.
ويمكن فهم هذه العبارة الأخيرة بالعودة إلى توصيات ومقترحات سبق أن تقدّم بها غوتيريس إلى مجلس الأمن، متبنياً مطالب الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن تعديل مهمات «اليونيفيل»، بما يكفل مهمات استطلاع تعتمد على أجهزة استشعار وأنظمة مراقبة حديثة، والتزوّد بكاميرات حرارية ومناظير متطورة وطائرات بلا طيار واستبدال المركبات الحالية بعربات أصغر خفيفة الحركة؛ لكي تتمكّن من المرور عبر الأزقّة والشوارع الضيّقة والمناطق الصخرية والجبلية، وإذ لم يتضمن القرار الحالي كل هذه التوصيات والمقترحات إلا أنّه طالب الأمين العام بالتقدّم وخلال 60 يوماً بتوصيات جديدة، ما يعني أن هذه التوصيات ستظل محل اهتمام مجلس الأمن وتحت الضغط السياسي الأميركي، والسياسي العسكري الإسرائيلي، لما يمكن معه القول: إن التسخين والتصعيد المتعمّد من قِبل إسرائيل سيظل سياسة ضاغطة بهذا الاتجاه.
وكذلك، يمكن فهم التعليق المقتضب للأمين العام لـ»حزب الله»، حسن نصر الله، على الحدث الأخير، عندما اكتفى بالقول: إنّه مهم وحسّاس وإنّه ليس لديه ما يقوله في الوقت الحالي، لكنّه سيعلّق عليه في وقتٍ لاحق، وفي تقديرنا أن نصر الله ربما ربط بين تعمّد التسخين الأمني من قِبل إسرائيل للتأثير على قرار مجلس الأمن المتعلّق بالتمديد لقوات «اليونيفيل»، ويلاحظ في هذا السياق أن «حزب الله» ظل محتفظاً بالرد على العدوان الإسرائيلي رغم القوّة النارية الهائلة التي استخدمها الاحتلال، ربما لتفويت الفرصة على استثمار هذا الحدث المتعمّد للتأثير على قرار مجلس الأمن حسب الرؤية الإسرائيلية/ الأميركية.
وفي تقديرنا أيضاً، أن إسرائيل ستلجأ بين وقتٍ وآخر لتصعيد متواتر مع جنوب لبنان متخذةً من سياسة «حزب الله» المعلنة بالانتقام لاستشهاد مقاتليه جراء العدوان الإسرائيلي ذريعة لإلقاء اللوم والمسؤولية عليه في هذا التصعيد، بينما هو عملياً متعمد من جانب إسرائيل بهدف تعديل مهام «اليونيفيل» استجابةً للمطالب الإسرائيلية/ الأميركية.