بقلم : هاني حبيب
مع زحف جو بايدن بخطوات هادئة لكن موثوقة نحو البيت الأبيض، تدور مناقشات ساخنة لدى النخب القيادية والإعلامية في إسرائيل حول كيفية التعامل مع إدارة جديدة تختلف بل تتناقض كليا تقريبا مع إدارة ترامب التي يمكن وصفها «بالسابقة» إزاء مختلف الملفات بما فيها تلك المتعلقة بالشرق الأوسط والصراع الفلسطيني ــــ الإسرائيلي على وجه الخصوص، ويمكن ملاحظة أن العديد من الآراء قد توصلت إلى أن الإدارة الجديدة بزعامة بايدن قد تشكّل مسارا مصيريا بالنسبة لإسرائيل، فرغم أن الرئيس الجديد، جو بايدن، مؤيّد دائم لإسرائيل وملتزم بالتحالف الإستراتيجي معها وكذلك نائبته السيناتور كامالا هاريس، إذ سبق لهما معارضة أي شكل من أشكال الضغط الأميركي على إسرائيل من خلال تقليص المساعدة الأميركية عندما طالبت عدّة أطراف من الحزب الديمقراطي وأعضاء في مجلس النواب ذلك، إضافة إلى الصداقة التي كانت وربما لا تزال بين نتنياهو وبايدن والتي توثّقت عندما عمل نتنياهو في سفارة إسرائيل في واشنطن، رغم ذلك فإن هناك المزيد من القلق والارتياب في أن وصول بايدن إلى البيت الأبيض، من شأنه أن يعدّل في الخارطة الإقليمية وكذلك على ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال إدارة ,ترامب ذلك في حال تأكدت التوقعات بوضع بايدن مفاتيح البيت الأبيض في جيبه.
في سياق حملته الانتخابية، تعهّد بايدن فعلاً بالاحتفاظ بالسفارة الأميركية في القدس المحتلة مع ذلك فإن مقربين منه أكدوا على إعادة فتح القنصلية التي كانت تتعامل مع الشؤون الفلسطينية والتي تم دمجها في السفارة بقرار من ترامب . وبعض ما تسرّب لدى وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية يشير إلى إن إعادة فتح القنصلية قد يكون في السفارة الأميركية في القدس أو حتى في الضفة الغربية المحتلة، وفي مقابلة أجرتها شبكة الأخبار العربية مع نائب الرئيس المتوقّع كامالا هاريس أشارت إلى أنّ الإدارة الجديدة ستلغي العديد من الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب في سياق صفقة القرن مع ضمان تمتع الفلسطينيين والإسرائيليين بتدابير متساوية من الحرية والأمن والازدهار والديمقراطية والالتزام بحل الدولتين ومعارضة أي خطوة أحادية الجانب ومعارضة خطة الضم والتوسع الاستيطاني والتعهّد بمعالجة الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة وإعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقد أكَّد أنطوني بيلنكين المستشار السياسي لبايدن وأحد المرشحين لتولي منصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة على هذه السياسات التي من المفترض تبنيها كعنصر أساسي من عناصر السياسة الخارجية الجديدة.
ومن المتوقع على نطاقٍ واسع في إسرائيل أن تستمر الإدارة الجديدة في دعم خطة ترامب حول تشجيع المزيد من الدول العربية والإسلامية للتطبيع مع إسرائيل، إلا أنها خلافا لإدارة ترامب ستسخّر هذه العملية لإعادة الزخم لحل الدولتين ودفع الفلسطينيين وتشجيعهم للحوار والمفاوضات وذلك من خلال استعادة ثقتهم في الولايات المتحدة الأميركية كوسيط عادل، لكن هذه الإدارة أيضا ستطالب الفلسطينيين بالامتناع عن إجراءات سلبية ضد إسرائيل، مثل نزع الشرعية عنها كما ستطالبهم بوقف دفع رواتب الأسرى والمعتقلين وأسر الشهداء.
كما من المتوقع ألا تكون مسألة الصراع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي على رأس أولويات السياسة الخارجية للإدارة الجديدة، إذ ستكون الأولوية للملف الإيراني وإعادة بناء حلف «الناتو» واستعادة القيادة الأميركية للحلف وتحسين العلاقات مع الصين والعودة إلى اتفاقيات المناخ وتحسين العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين، كل ذلك بعد الأولوية المطلقة والمتعلقة بالملفات الأميركية الداخلية خاصة ملف معالجة «كورونا» وإعادة اللحمة إلى المجتمع الأميركي الذي مزّقته إدارة ترامب.
إلّا أن هذه السياسات بالمجمل ستخضع بدرجة كبيرة إلى نتائج الانتخابات النصفية لمجلسي الكونغرس، والتي لم تتأكد حتى الآن، بشكلها النهائي، خطوات الإدارة الجديدة ستظل محكومة بقدر كبير ومؤثّر بمدى تعامل مجلسي الشيوخ والنواب معها لتنفيذ هذه السياسات.
بعض الإسرائيليين غير منزعجين من مغادرة ترامب للبيت الأبيض، ويقولون قد يرحل ترامب ولكنْ لدينا ترامب الخاص بنا إنّه نتنياهو.