بقلم : هاني حبيب
«إن مصلحة العالم كلّه والإنسانية جمعاء تقضي الترحيب ببقاء ترامب في البيت الأبيض لولاية ثانية» هذا ما سمعته من أحد المحللين السياسيين الإيرانيين من إذاعة الـbbc، ولأول وهلة ظننت أنني لم أسمع جيداً، أو أنّ هناك خطأ نتيجة لتداخل المحطات الإذاعية كما يحدث في بعض الأحيان، إلاّ أنني تأكدت أنني سمعت لهذا التحليل جيداً عندما أضاف هذا المحلل أنّ الولاية الأولى لترامب مهدت الطريق أمام تفسّخ المجتمع الأميركي وتزايد عنصريته وانقساماته الإثنية والطبقية حيث تحوّل من مجتمع «الفرص» إلى مجتمع «الصراع» في وقتٍ فشلت هذه الإدارة في تحقيق أي هدف جوهري استراتيجي على صعيد السياسة الخارجية، حتى أن ما يشاع عن إنجاز في ملف الشرق الأوسط والتطبيع العربي مع إسرائيل تحوّل إلى ملف صراع وليس ملف سلام طالما هناك رفض فلسطيني، فشلت هذه الإدارة في تحقيق اتفاق سلام مع كوريا الشمالية يتم من خلاله نزع سلاحها النووي، واتباع سياسة كان من شأنها التخلي نسبياً عن الحلفاء كأوروبا وحلف الأطلسي ومع الشمال الكندي، وكذلك مع الجنوب المكسيكي، حيث يتم بناء جدار سميك يفصل شمال القارة الأميركية عن جنوبها، وحتى تلك السياسة المتعلقة بالصين، رغم تغني إدارة ترامب بها لم تُحدث سوى مزيد من البطالة مع المجتمع الأميركي.
لم يقل هذا المحلل كل ما أوردناه، لكننا حاولنا التعليق والتوسّع بدلالاته البسيطة في محاولة لتقصي معنى ومقصد هذه المقولة «الغريبة» فالتشخيص السابق يهيئ لأعظم دولة في العالم وأكثرها ثروة اقتصادية ومالية وقدرات عسكرية لمزيد من التفتت والضعف، وربما التوجه لحربٍ أهلية، الأمر الذي يحد من خطر سطوتها وتنمرها على العالم والنيل من أصدقائها وحلفائها قبل أعدائها وخصومها. فوز ترامب بهذا المعنى يهيئ لتلاشي وتراجع الدور الأميركي وربما تحييده، ما يجعل العالم أكثر سلاماً من وجهة نظر البعض.
تتباهى الولايات المتحدة بأنها أفضل نظام ديمقراطي في العالم، غير أنّ ديمقراطيتها في ظل إدارة ترامب باتت في موضع شك أكثر من أي وقتٍ مضى. خلال السنوات الأربع التي قضاها ترامب في البيت الأبيض فتحت إدارته النار على كل مقومات الديمقراطية الأميركية، على المؤسسة القضائية والعدلية والقانونية والدستورية، وزادت الشكوك من خلال ما نجم عن بعض التحقيقات حول مدة تبني هذه الإدارة لإحدى أهم مقومات الديمقراطية والمتمثل بالفصل بين السلطات، وذلك إثر محاولاتها تطويع السلطة القضائية لمصلحتها، كل ذلك بالتوازي مع الهجمة المنظمة من قبلها على المؤسسة الإعلامية بمختلف أشكالها وتوجهاتها وبما فيها تلك المؤيدة لها.
ولعلّ أهم ما تشهده الساحة الأميركية من تفتت من الناحية السياسية يتمثل في الصراعات الداخلية لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ونتائج الانتخابات الرئاسية بصرف النظر عن الفائز ستزيد من توسيع الهوة لدى الفئات المشكلة للحزبين، فالأعضاء الأقوياء في الحزبين سيبدؤون معركة منذ الآن للترشح لانتخابات الرئاسة في العام 2024 وهذا يعني لدى الحزب الجمهوري النأي عن سياسته الشعبوية في حال خسارة ترامب لكي يقدّم صورة مغايرة، بينما القوى الأكثر تطرفاً ستجد في حال فوزه دعماً لمزيد من المحافظة والتطرّف، أما بشأن الحزب الديمقراطي فإن هناك ما يشبه الحرب الداخلية تتمثل في تزايد قواه اليسارية والليبرالية والشبابية، في حالة فوز بايدن فإن هذه القوى ستجد في هذا الفوز متنفساً ودعماً لها، الأمر الذي من شأنه تحفيز الفئات المعارضة لهذا التوجه للمزيد من التصدي المؤدي إلى تشرذم داخلي، إلاّ أن هؤلاء في حال خسارة بايدن سيكرسون أنفسهم كتيار مركزي في الحزب على حساب الفئات والقوى الفتية الناشئة، وباختصار فإن معركة الانتخابات الرئاسية هي معركة المستقبل الأميركي، وقد تكون وفقاً لحديث المحلل السياسي الإيراني المشار إليه، مستقبلاً أفضل في حال فوز ترامب الذي يعني مستقبلاً أميركياً أكثر ضعفاً وأقل تنمراً على العالم.