بقلم - أشرف العجرمي
يشير تقرير "بيتسلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية) الأخير إلى ارتفاع كبير في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال شهر آذار الماضي، وحسب التقرير فقد وثقت المنظمة المذكورة 50 اعتداءً نفذه المستوطنون منذ بداية شهر كانون الثاني وحتى نهاية آذار، من بينها 21 اعتداءً في شهر آذار أي في زمن انتشار جائحة الكورونا. وتشمل هذه الاعتداءات مهاجمة منازل، واعتداءات جسدية وسرقة ممتلكات. والأخطر في هذه الممارسات هو قيام جيش الاحتلال بمشاركة المستوطنين في هذه الممارسات العنيفة، سواء بمرافقتهم وتأمين الحماية لهم أو بالتدخل المباشر بإلقاء قنابل الغاز على الفلسطينيين الذي هبوا لحماية منازلهم، أو باعتقال عدد من المواطنين الفلسطينيين. وحتى في الحالات التي توجه فيها الفلسطينيون إلى مديرية التنسيق والارتباط لحمايتهم من عدوان المستوطنين جاء الجيش الإسرائيلي متأخراً ووقف متفرجاً على جرائم المستوطنين، - كل هذا حسب تقرير "بيتسلم".
في الحقيقة، وعلى الرغم من اللقاءات الفلسطينية- الإسرائيلية المنتظمة للتنسيق في موضوع محاربة انتشار فيروس كورونا، إلا أن السلوك الاحتلالي الإسرائيلي المتطرف لم يتغير، فاجتياحات مناطق السلطة الفلسطينية مستمرة، والاعتقالات متواصلة بما في ذلك إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين بدون مبرر، وهدم البيوت والمرافق الاقتصادية لا يزال على حاله تحت حجج واهية، مثل البناء بلا ترخيص دون أي مراعاة للضائقة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وأيضاً بسبب جائحة الكورونا. ولا شيء تغير، بل إن تقرير "بيتسلم" يشير إلى زيادة حادة في اعتداءات المستوطنين برعاية السلطات الإسرائيلية في حالات كثيرة، كما أن التنسيق بين الطرفين حول "كورونا" يعتريه الكثير من القصور والمشاكل، خاصة في موضوع عودة العمال الفلسطينيين من مرافق العمل الإسرائيلية، فحتى الآن لا يتم التعاون في عودة هؤلاء العمال، بحيث تتمكن السلطة من حصرهم وفحصهم ومتابعة مسألة حجرهم والتأكد من عدم إصابتهم بالفيروس. وقد قامت سلطات الاحتلال بفتح عبّارات لتمكين العمال من الدخول بحرية بدون علم السلطة الفلسطينية، وفي بعض الحالات تم إلقاء العمال بالقرب من الحواجز للاشتباه بإصابتهم بالمرض.
والعمال الفلسطينيون العائدون من إسرائيل يشكلون الثغرة الأكبر في مسألة السيطرة على انتشار المرض بعد أن سيطرت السلطة الوطنية على المعابر وعلى حالات العدوى التي بدأت بالاختلاط بالسياح في بيت لحم. ومسؤولية إسرائيل في هذا الجانب هي في توفير بيئة صحية للعمل تمنع إصابة العمال وبالقيام بإجراء فحوصات لهم أسوة بالمواطنين الإسرائيليين في المناطق التي توجد فيها شبهة بانتشار العدوى أو ثبت إصابة حالات فيها بالمرض. وقد عملت السلطة على تنظيم اجتماع يضم كلاً من وزير الشؤون المدنية ووزيرة الصحة ووزير العمل مع الجانب الإسرائيلي للتنسيق في موضوع عودة العمال الفلسطينيين.
إسرائيل ببساطة لا تستجيب للنداءات الدولية وخاصة تلك التي تصدر عن منظمة الصحة العالمية التي تطالب بوقف إطلاق النار ووقف النزاعات في زمن "الكورونا" ليتم تعاون جميع الجهات في الحرب ضد هذا الفيروس الخطير الذي يهدد البشرية جمعاء دون تمييز بين الناس بأي شكل من الأشكال. ولا تزال الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين قائمة على قاعدة الاحتلال والتنكيل والتمييز، وهذا يشمل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الذين لا تقدم لهم اي رعاية صحية ملائمة. ولو أخذنا نموذج المواطنين الفلسطينيين سكان القدس الشرقية سنجد أنهم في أدنى سلم اهتمامات إسرائيل، على الرغم من أن القدس الشرقية جرى ضمها من جانب واحد ويطبق عليها القانون الإسرائيلي، فقد اهتمت السلطات الإسرائيلية بالأحياء الاستيطانية اليهودية، ولم تبذل اي جهد يذكر للتأكد من خلو الأحياء الفلسطينية من المرض. واضطرت جهات عديدة إلى اللجوء للمحكمة لضمان قيام السلطات بوضع مراكز فحص للمواطنين الفلسطينيين في القدس، واضطرت البلدية ووزارة الصحة للاستجابة لقرار المحكمة وبدأت بإقامة ثلاثة مراكز للفحص.
والأنكى أنه بالرغم من عدم قيام سلطات الاحتلال بواجباتها تجاه المواطنين الفلسطينيين في القدس، فهي تحارب أي جهد فلسطيني يحاول أن يعوض عن التقصير الإسرائيلي الرسمي وتقوم بملاحقة النشطاء الفلسطينيين المتطوعين الذين يحاولون مساعدة السكان في عمليات النظافة والتعقيم وتقديم الإرشادات والمعونات الصحية وغيرها. وفي هذا الإطار قامت باعتقال محافظ القدس ووزير شؤون القدس وعدد من النشطاء وهذه الممارسات مستمرة وتتكرر باستمرار. ومن المحزن والمثير للغضب أن عدداً متزايداً من الفلسطينيين في القدس أصبحوا مرضى، وإذا ما جرى الفحص الطبي على نطاق واسع في الأحياء المقدسية فربما نجد أن الأرقام التي تتحدث عنها وزارة الصحة الفلسطينية هي متواضعة جداً بالمقارنة مع الواقع.
تحتج الحكومة الإسرائيلية على اتهامات الفلسطينيين لها بالتسبب بانتقال العدوى للفلسطينيين، ولكنها لا تقوم بما يدحض هذا الاتهام الفلسطيني بل هي تمارس التهديد ضد السلطة الفلسطينية. وإذا كنا نعيش الآن في فترة الأولوية فيها هي لحماية حياة البشر، والتي فيها تندمج مصالح الشعوب حتى المتحاربة منها، فمن باب أولى أن تفكر سلطات الاحتلال بمصالح إسرائيل المتمثلة بالقضاء على وباء كورونا، وهي مصلحة فلسطينية كذلك نظراً للتداخل بين الناس على جانب الخط الأخضر، بدلاً من إطلاق يد عصابات المستوطنين في اعتداءاتهم ضد الشعب الفلسطيني والسعي إلى ضم المناطق الفلسطينية وتأجيج الصراع. ولكن على ما يبدو فالعقلية الاحتلالية أصبحت فيروساً أخطر بكثير من "الكورونا" وتجري في عروق المحتلين وتسيطر على تفاصيل حياتهم وسلوكهم، ولا شيء يردعها.