بقلم : أشرف العجرمي
في مقال سابق، كتبت عن الدول التي لها مصلحة في بقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والدول والأطراف التي تريد نجاح منافسه الديمقراطي جو بايدن. وأكدت على مصلحة القيادة الفلسطينية في سقوط ترامب وفوز المرشح البديل. ولم أتطرق إلى موقف حركة «حماس» من موضوع الانتخابات؛ لأن هذا يحتاج معالجة مختلفة وتدقيقاً بناء على تطور مسار المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية، الذي هو ليس بعيداً عن تأثيرات معركة الانتخابات الأميركية. فموقف «حماس» ليس بالضرورة مطابقاً لموقف قيادة منظمة التحرير، بل هناك حسابات ومصالح حزبية مختلفة، وقد تكون في بعض الأحيان متناقضة.
على كل الأحوال، تتعثر مسيرة المصالحة بعد أن تريثت «حماس» في إعطاء الضوء الأخضر لتطبيق تفاهمات إسطنبول بين حركتي «فتح» و»حماس» التي حظيت بموافقة الفصائل الفلسطينية. وحتى اللحظة لا تعطي «حماس» موقفاً واضحاً من سبب التأخير، على الرغم من تأكيد عضو اللجنة المركزية لـ»فتح» جبريل الرجوب أنه لا رجعة عن خيار المصالحة الوطنية، وتكرار تصريحات قادة «حماس»، خاصة صالح العاروري، بإيجابية الأجواء واستمرار الحوارات مع «فتح». ونحن هنا لا نريد أن نذهب نحو الموقف المتشائم الذي عبر عنه عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد، ولكن هناك بالتأكيد ما يدعو للقلق من بطء عملية المصالحة وعدم التوافق على تحديد موعد للانتخابات العامة القادمة.
ومن ظهور مطالب «حمساوية» جديدة تم تجاوزها في جلسات الحوار في إسطنبول، خاصة موضوع الموظفين والمجلس التشريعي... إلخ.
ويبدو أن «حماس» تنتظر الانتخابات الأميركية أكثر من قيادة «فتح». فقد وجهت أسئلة متكررة لحركة «فتح» حول موقفها من فوز بايدن وإمكانية العودة إلى المفاوضات في حال تغيرت الإدارة الأميركية، وتلقت إجابات واضحة من قادة «فتح» بأنهم لا يمانعوا في العودة إلى المفاوضات إذا كانت على أساس المرجعيات الدولية المتفق عليها بعد إزاحة خطة ترامب عن الطاولة.
والواضح أن «حماس» ترغب في فوز ترامب أكثر من بايدن؛ لأن الأول لديه عروض مغرية لا تتعلق فقط بمليارات الدولارات، فهو يريد معاقبة القيادة الفلسطينية على رفض «صفقة القرن»، ويريد إضعافها واستمرار الانقسام بكل ثمن تماماً كما ترغب إسرائيل بذلك، ولهذا سيذهب باتجاه تكريس وتقوية سلطة «حماس». وترامب كما دول عربية عديدة يعارض الانتخابات الفلسطينية.
ولهذا فإن «حماس» تنتظر نتائج الانتخابات، فإذا فاز ترامب تصبح لديها أوراق قوة كبيرة. فليس بالضرورة تذهب للتماهي مع خطته وتوافق على أن تكون جزءاً منها، وتساهم في تطبيقها بالاتفاق مع إسرائيل على هدنة طويلة الأمد تسمح لها بتحييد غزة، وتنفيذ مشروع الضم في الضفة الغربية، واستكمال خطوات التطبيع مع العالم العربي على أساس التنكر للقضية الفلسطينية، في إطار محاصرة السلطة والقيادة الفلسطينية مالياً وسياسياً. ولكن قد تستغل «حماس» فوز ترامب وتعرّض القيادة لضغوط شديدة لإملاء شروطها على الرئيس أبو مازن، على اعتقاد بأنه سيكون مضطراً للتوافق معها وللذهاب لوحدة وطنية تسمح للحركة بأخذ موقع الصدارة في الساحة الفلسطينية أو على الأقل تقاسم السلطة مناصفة في كل شيء.
أما إذا فاز بايدن سيتنفس الرئيس أبو مازن الصعداء وسيكون في وضع مريح سياسياً واقتصادياً، مع الفرق بأنه سيكون معنياً كذلك بإتمام مسيرة المصالحة وتوحيد السلطة، وضم «حماس» لمنظمة التحرير وتوسيعها لتشمل مختلف الفصائل، إدراكا للضعف الذي يعتري الموقف الفلسطيني في ظل الانقسام، وهو ما شجع بعض الدول العربية على الخروج عن مواقف الإجماع العربي والهرولة نحو إسرائيل، وشجع إسرائيل وأميركا على التمادي في العدوان على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
كذلك فإن «حماس» قد تأتي للمصالحة في ظل تضاؤل خياراتها بين الحسم الإسرائيلي لمسألة المقاومة المسلحة في غزة بعد استكمال بناء الجدار تحت الأرضي، واستيفاء كافة الاستعدادات التي تجري على قدم وساق للحرب القادمة مع قطاع غزة، والتي هي من وجهة نظر كثير من الخبراء الإسرائيليين مسألة وقت ليس إلا.
وقد يشجع «حماس» على المصالحة والانتخابات عدم وجود معارضة من إدارة بايدن لمشاركة «حماس» في الانتخابات والسلطة، وهذا موقف تقليدي للديمقراطيين في الفترات السابقة من حكمهم، خاصة عهد الرئيس باراك أوباما. وبالتالي يمكن أن تحظى بشرعية دولية بعد الشرعية الوطنية كجزء من المؤسسة الحاكمة. ولكن في هذه الحالة ستكون حاجتها لـ»فتح» أكبر من حاجتها اليوم.
وقد تخطئ «حماس» في قراءة الواقع حتى بعد الانتخابات الأميركية وتمتنع عن الذهاب لمصالحة حقيقية لأسباب تتعلق بمصلحة حزبية ضيقة، وفي هذه الحالة قد تخسر كثيراً؛ لأن المراهنة على بقاء السياسة الإسرائيلية على حالها تجاه قطاع غزة ومحاولة شراء الهدوء بأي ثمن هو خطأ قاتل قد تدفع «حماس» ثمنه باهظاً في قادم الأيام.
وفي كل الأحوال تقتضي المصلحة الوطنية العليا ومواجهة المشاريع التصفوية وأخطرها المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وعملية التطبيع العربي التي تساعد في شرعنة الاحتلال، الذهاب فوراً لمصالحة ووحدة وطنية شاملة على أساس الشراكة الوطنية المبنية على قاعدة الانتخابات والتمثيل الذي ينتج عنها. ولا شيء على الإطلاق يبرر عدم القيام بهذا المطلب والحاجة الوطنية الملحة التي تحتل أولوية قصوى في الظرف الراهن وفي كل الظروف.