بقلم : أشرف العجرمي
بالرغم من الخطورة الكبيرة التي تمثلها الخطة الأميركية «صفقة القرن» على الحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة والمعترف بها دولياً والمتضمنة في عدد كبير من قرارات الأمم المتحدة، وعلى مستقبل المنطقة برمته، إلا أنها من ناحية أخرى عرت الولايات المتحدة وعزلت موقفها على المستوى الدولي، إلى درجة فاجأت الإدارة الأميركية وأحبطتها وأحدثت فيها ارتباكات من حجم المعارضة الدولية للخطة التي رفضها الاتحاد الأوروبي ورفضتها الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والقمة الإفريقية، وسترفضها الأمم المتحدة حتى لو أحبطت الولايات المتحدة صدور بيان أو قرار من مجلس الأمن.
واللافت للنظر هو موقف اليهود في العالم وحتى في إسرائيل من « الصفقة»- المؤامرة، فعدد كبير من الشخصيات اليهودية القيادية في الولايات المتحدة رفض الصفقة، بمن فيهم مرشحو الرئاسة عن الحزب الديمقراطي أمثال السناتور بيرني ساندرز الذي قال إن هذه خطة غير مقبولة، ولن تؤدي سوى إلى استمرار الصراع، وأن أي صفقة سلام يمكن قبولها لابد وأن تتسق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. كما اعتبرتها جماعة «إن لم يكن الآن» اليهودية الأميركية «خطة مفلسة تماماً» وهي خطة للاحتلال والسيطرة العسكرية الإسرائيلية الدائمة، وانها ببساطة استمرار لاستراتيجية ترامب منذ توليه منصبه والمتمثلة في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم وانكار هويتهم وقمع إرادتهم. ورفضتها منظمة الـ»جي ستريت» واسعة الانتشار في أميركا. وحتى شخصيات تحدثت ضدها سلفاً في مؤتمر منظمة «الإيباك». وهذه الأصوات مهمة في تعرية موقف الإدارة الأميركية حتى لو لم تكن مواقفها تتطابق مع الموقف الفلسطيني، فعلى الأقل هؤلاء يتحدثون عن حل الدولتين التقليدي حفاظاً على مصالح إسرائيل، ويرون في «صفقة» ترامب تهديداً لوجود إسرائيل كدولة ذات أغلبية يهودية تحظى بالأمن والاستقرار والاعتراف من جيرانها.
وهناك معارضون إسرائيليون بعضهم أرسل رسائل إلى الإدارة الأميركية تعبر عن رفضهم للخطة، وبعضهم أرسل رسائل إلى الاتحاد الأوروبي، ليس فقط ليعبر عن رفض الخطة، بل باتخاذ إجراءات فورية للرد على قيام إسرائيل بضم أراض فلسطينية. وبالمناسبة المعارضة لخطة ترامب تأتي من اليسار واليمين المتطرف، فاليسار يرى أنها خطر وستؤدي إلى نظام أبرتهايد ولن تقود إلى حل بل إلى تعقيد الصراع، وتشكل خطراً على مستقبل إسرائيل، وهؤلاء يؤيدون حل الدولتين على حدود عام 1967، أما اليمين العنصري فهو يرفض فكرة التخلي عن قسم كبير من الضفة الغربية لصالح دولة فلسطينية، وهم يرفضون مبدأ قيام دولة فلسطينية حتى لو كانت دولة مسخاً. وما يهمنا هنا هو الموقف الأقرب للموقف الفلسطيني والحريص على تحقيق السلام على أساس مبادئ الشرعية الدولية.
صحيح أن طرح خطة ترامب قد أشعل الغضب الفلسطيني، وفي إطار هذا الغضب تضمن الخطاب الشعبي لغة تعميم أقصوية. والبعض أدان المرحلة التاريخية السابقة بما ذلك رفض مبدأ المفاوضات والحل السلمي، والبعض طالب بالتخلي عن فكرة إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة منذ العام 1967، والذهاب نحو الدولة الواحدة ولا شيء سواها، وفي الواقع يمثل الخطاب الذي يتنكر للقرارات الدولية والإجماع الذي حصل حول الحقوق الوطنية الفلسطينية حالة عدمية تصب في خدمة إسرائيل ومشروع الضم الذي تتبناه الآن بدعم من الإدارة الأميركية. ولنتذكر جميعاً أن فشل ترامب دولياً كان بسبب خرقه للقانون الدولي، وهو السبب في معارضة العالم لخطته، وإذا تخلينا نحن طواعية عن هذا السلاح فلن نجد أحداً معنا. وفي نهاية المطاف لن تقوم دولة واحدة كما يحلم البعض، بل ستأخذ إسرائيل ما تريد من مناطق تضمن لها أغلبية يهودية راسخة وتترك الفلسطينيين لمصيرهم، وحتى لو رمينا المفاتيح كما نقول فلن ترجع إسرائيل لتولي أمورنا وتضمنا إليها في دولة واحدة.
من هنا، من المهم جداً أن نسعى لخلق جبهة فلسطينية- إسرائيلية وإقليمية ودولية ضد «صفقة» ترامب ومبنية على قرارات الشرعية الدولية التي تضمن لشعبنا حق تقرير المصير والدولة المستقلة على الأراضي المحتلة منذ الرابع من حزيران من العام 1967، بعيداً عن التطبيع العربي مع إسرائيل، فالحديث عن دعم إسرائيليين لحقوقنا ولحل الدولتين مفيد جداً في تعرية ترامب ونتنياهو على السواء، ولكنه لا يعني فتح البوابات بين إسرائيل والعالم العربي كما تريد بعض الأنظمة. فوضعنا تحت الاحتلال له خصوصية ويختلف عن أي علاقة يمكن أن تنشأ مع إسرائيل الدولة المحتلة، والتي تنكل بالشعب الفلسطيني وتريد ضم أراضيه وشطب حقوقه. وفي نفس الوقت مقاومة التطبيع العربي لا يجب أن يشمل حلفاءنا على الجبهة الإسرائيلية الذين يعارضون سياسة حكومتهم ومشروع ترامب، والذين مواقفهم متقدمة حتى عن بعض المواقف العربية في رفضها لهذا المشروع، حتى لو كان ذلك من منطلق الحرص على مصلحة إسرائيل كما يرونها.