بقلم : أشرف العجرمي
إعلان الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب بأنه أعطى الضوء الأخضر لعملية نقل السلطة للرئيس المنتخب جو بايدن هو إقرار بالهزيمة، على الرغم من ادعائه بأنه يواصل معركته القضائية. ويبدو أن إعلان نتيجة الانتخابات في ولاية ميشيغان كان له الدور الحاسم في إقناع ترامب بعدم تعطيل نقل السلطة للرئيس الفائز. وقد بدأ بايدن باختيار طاقم الإدارة الجديدة فاختار انتوني بلينكن لمنصب وزير الخارجية وجيك سوليفان لمنصب مستشار الأمن القومي وليندا توماس غرينفيلد لتمثيل أميركا كمندوبة دائمة في الأمم المتحدة. وجون كيري وزير الخارجية السابق مبعوثاً رئاسياً خاصاً لقضايا المناخ. وهؤلاء الأربعة عملوا في إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، أي أن التوجه العام لبايدن هو السير على خطى أوباما ربما مع إحداث بعض التغييرات الطفيفة هنا وهناك.
وأهم ما يواجه بادين هو استعادة الدور القيادي للولايات المتحدة الأميركية الذي تضرر كثيراً بفعل سياسة ترامب الانعزالية، والتي كما يقولون ساعدت الصين في توسيع نفوذها دولياً على حساب أميركا. ومن أهم القضايا التي سيهتم بايدن بمعالجتها عودة الولايات المتحدة لاتفاقية باريس للمناخ، حيث تحتل أميركا المكان الثاني بعد الصين كمصدر للتلوث في العالم. وهذا الاهتمام بقضايا المناخ عكس نفسه في تعيين شخصية مثل كيري كمبعوث له، ويؤيد بادين بناء اقتصاد معتمد على الطاقة النظيفة والاستثمار في تخفيض نسبة التلوث.
وستعود الولايات المتحدة كذلك لمنظمة الصحة العالمية التي انسحبت منها حيث كانت من أكبر مموليها(تساهم في 15%)، وبالذات في هذه المرحلة، حيث تنتشر جائحة الكورونا التي كانت من أهم أسباب فوز بايدن. وهذا سينسحب على العودة لمنظمات الأمم المتحدة الأخرى مثل اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان، حيث كان السبب في انسحاب واشنطن هو اتهام هذه المنظمات بالتحيز ضد إسرائيل.
وسيرى العالم كيف سيعيد بايدن الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي سمي (5+1) والذي خرجت منه بسبب الضغوط الاقتصادية، مع العلم أنه يعتبر إنجازاً دبلوماسياً كبيراً لمنع إيران من تطوير سلاح نووي. وقد يلجأ بايدن إلى إجراء حوارات أو مفاوضات مع إيران لتوسيع أو تحديد الاتفاق أكثر ولكن دون أن تكون الولايات المتحدة خارج الاتفاقية، وهذا سيغضب إسرائيل ودولاً عربية كانت قد ضغطت هي الأخرى من أجل إلغاء الاتفاق. وقد يزعج بايدن بعض الدول العربية في التركيز على ملفات حقوق الانسان وربما يتخذ موقفاً ضد الحرب في اليمن وغيرها من الملفات.
أما الملف الأهم بالنسبة لنا فهو الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. فبالرغم من التأييد القوي الذي يعبر عنه بايدن في كل مناسبة لإسرائيل ولضرورة بقائها متفوقة عسكرياً في المنطقة، إلا أنه سيعود إلى سياسة سابقه الديمقراطي أوباما، وقد لا يكون متحمساً للدخول فوراً في محاولة التوصل إلى تسوية سياسية، وقد لا تكون هذه أولوية له في المرحلة الأولى من حكمه، مع أنه يستطيع أن يعمل في كل القضايا بشكل متوازٍ دون إغفال أي واحدة أو دفعها لأسفل سلم أولوياته، ولكن الصعوبة التي ستواجهه كما واجهت أوباما هي في وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة لا تقبل أي نوع من المفاوضات على أساس المرجعيات الدولية للعملية السياسية، ولهذا يبدو أن تأجيل معالجة الملف بصورة جادة وجذرية أقرب إلى الواقع.
مع ذلك هناك أمور لابد أن نطرحها على إدارة بايدن فوراً للبدء بمعالجتها وعدم انتظار نضوج المناخ لعملية سياسية واسعة، ومنها على سبيل المثال الوقف الفوري للأنشطة الاستيطانية في القدس الشرقية وفي كافة مناطق الضفة الغربية، باعتبارها ليس فقط ضارة وتخلق توتراً في المنطقة، بل وأهم من هذا أنها تستهدف القضاء على حل الدولتين الذي تنادي به الإدارة الديمقراطية.
وفي هذا السياق ينبغي الطلب من هذه الإدارة العمل على تطبيق ما تبقى من «اتفاقية أوسلو» والذي تم اغفاله تماماً في السنوات التي تلت اغتيال رابين، وهو الانسحاب الإسرائيلي من غالبية مناطق (ج)، فلا معنى للعبارة التي أطلقها منسق شؤون المناطق الفلسطينية كميل أبو ركن التي تقول بالتزام إسرائيل بالاتفاقات إذا لم تطبق إسرائيل النبضة الثالثة من الانسحاب، وهذا يجب أن يكون شرطاً فلسطينياً للالتزام بالاتفاقات كذلك. ولا ندري لما يغفل هذا البند الأهم في اتفاق «أوسلو»، وينسحب عليه كذلك وقف اجتياح مناطق (أ) وتوسيع نطاق سيطرة السلطة على مناطق (ب) وتحويلها إلى (أ)، ووقف هدم البيوت والمنشآت في مناطق (ج)، وعودة السيطرة الفلسطينية على المعابر الحدودية.
وتطوير اتفاقية «باريس» الاقتصادية ومنح الاقتصاد الفلسطيني مساحة أوسع من الاستقلالية وفتح الاستيراد والتصدير بدون قيود مع العالمين العربي والدولي، والإفراج عن المعتقلين وعلى الأقل الأسرى الذين لم تفرج عنهم حكومة بنيامين نتنياهو كجزء من الاتفاق مع جون كيري إبان الجولة الأخيرة في المفاوضات، والأسرى المرضى والأطفال والنساء والإداريين، كمقدمة للإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين باعتباره شرطاً حيوياً لتحقيق السلام.