بقلم : أشرف العجرمي
لم تشعر إسرائيل أنها دولة إقليمية عظمى بهذا القدر إلا بعد حصولها على التطبيع مع أربع دول عربية والقائمة مرشحة للزيادة. حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كرر تصريحاته بأن ما جلب العرب للتطبيع هو قوة إسرائيل. ولكن الحقيقة تقول، إن السبب الرئيس في موجة التطبيع الحالية هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كان مهووساً بخطته التي أفشلها الفلسطينيون في شقها المتعلق بهم وهو حاول تنفيذها في الشق الإقليمي للالتفاف على الموقف الفلسطيني وربما في إطار اعتقاده بأن هذا ما سيجلب الفلسطينيين رغماً عنهم إلى طاولة المفاوضات. ولكن نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة كانت مخيبة لآماله حيث لم ينجح في الحصول على ولاية ثانية. ومع هذا لم يتخل عن فكرة الدفع باتجاه التطبيع وتطويق الفلسطينيين وربما إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن.
نتنياهو نفسه لم يبذل جهوداً كبيرة للحصول على التطبيع العربي، ولكن هذا لا يعني أن إسرائيل لم تسع إلى ذلك أو أن هذه العملية هي من بنات أفكار ترامب فقط، فالعلاقات العربية - الإسرائيلية كانت سرية وفي بعض الأحيان شبه رسمية منذ عقود طويلة، وللتذكير فقط كانت هناك مكاتب تمثيل لإسرائيل في بعض الدول العربية تم فتحها بعد اتفاق «أوسلو»، وأغلقت خلال الانتفاضة الثانية. واليوم، يعترف وزير الخارجية الإسرائيلي غابي اشكنازي بوجود دبلوماسيين إسرائيليين في دول الخليج منذ عقود تواجدوا وعملوا هناك بشكل سري وجرى تكريمهم، مؤخراً، دون الكشف عن هوياتهم. بمعنى أن ما جرى هو ترسيم لعلاقات سرية كانت موجودة مع بعض الدول وأخرى جديدة. والمحزن في هذا الأمر هو كيف نجحت الولايات المتحدة وإسرائيل في تفتيت الموقف العربي الذي كان حجر الزاوية فيه الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، وباتت كل دولة عربية تبحث عن مصالحها الخاصة والضيقة ما مكن واشنطن من عقد صفقات تقوم على تلبية مطالب معينة لكل دولة بمعزل عن ربط العلاقة مع إسرائيل بأي بعد قومي عربي أي بالقضية الفلسطينية.
غير أن هذا الإنجاز الإسرائيلي الكبير لم يخدم نتنياهو الذي على ما يبدو يواجه مصيره المحتوم وقد قربت نهايته السياسية أكثر من أي وقت مضى ولم تشفع له علاقاته الجديدة مع العرب، بل هي وإن كانت مهمة للكثير من الإسرائيليين، لأنها تفتح أبواب العالم العربي أمامهم وتفتح فرص الأعمال والسياحة وتطبيع العلاقات من مختلف الجوانب على عكس الاتفاقات مع مصر والأردن التي لم ينتج عنها تطبيع شعبي حقيقي، لا تؤثر على اختيارات الناخب الإسرائيلي، بدليل أن حزب نتنياهو «الليكود» بات يخسر في استطلاعات الرأي بصورة مطردة في الفترة التي أعقبت تطبيع العلاقات مع الدول العربية لصالح منافسه الأكثر يمينية حزب «يمينا».
الآن، باتت فرص نتنياهو في البقاء في الحكومة ضيقة للغاية ومرتبطة أكثر بشريكه في الحكومة بيني غانتس رئيس الحكومة البديل ووزير الدفاع. خاصة بعد أن انشق جدعون ساعر منافسه في «الليكود»، الذي لا يهدد فقط فرص «الليكود» في الحصول على عدد كبير من المقاعد، بل ويهدد «يمينا» بزعامة نفتالي بينت الذي تضاعفت فرصه على حساب فشل «الليكود» وحزب «أزرق - أبيض». وفي الاستطلاعات التي سبقت إعلان ساعر عن الخروج من «الليكود» والتوجه نحو تشكيل حزب جديد بزعامته، كان اليمين واليمين المتطرف والأحزاب الدينية تحصل على أغلبية وصلت إلى حوالي 65 مقعداً، أما، اليوم، على ما يظهر من استطلاعات الرأي الجديدة لن يحصل «الليكود» و»يمينا» وكل من حركتي «شاس» و»يهدوت هاتوراة» على 61 مقعداً تؤهلهم لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات. والسبب أن ساعر ليكودي أصيل وأكثر يمينية من نتنياهو وهو ليس فاسداً ويدعو للإصلاح والتخلص من نتنياهو المتهم بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة والذي لا تهمه سوى مصالحه الخاصة. وهو بنظر الكثيرين البديل الأفضل لنتنياهو فهو يميني ويستطيع أن يقنع ناخبي «الليكود» بسهولة بأنه يحافظ على إرث الحزب التاريخي، وعملياً هو يستطيع أن ينتزع من ائتلاف نتنياهو الافتراضي أكثر من خمسة مقاعد تمنعه من تشكيل حكومة.
ويمكن لساعر أن يشكل حزباً كبيراً نسبياً إذا استطاع أن يضم إليه رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي أيزنكوت وأن يحصل على مقاعد على حساب أحزاب الوسط وحتى حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان. وهكذا تبدو خيارات نتنياهو ضيقة للغاية وهي محصورة بين تنفيذ اتفاقه مع غانتس بتمرير موازنة 2021 والسماح للأخير بتولي منصب رئيس الحكومة بالتناوب، وبين الذهاب إلى انتخابات مبكرة جدية باتت نتيجتها شبه معروفة أنها لن تعيده لرئاسة الحكومة. ونتنياهو في الواقع يخشى من تسليم الحكومة لغانتس خاصة بعد أن فشل في إحداث تعديلات جوهرية في قوانين القضاء بحيث تصبح للحكومة والـ»الكنيست» السلطة العليا في تعيين القضاة بمن فيهم رئيس المحكمة العليا والنيابة والمستشار القضائي. أي أن عدم تقديمه للمحاكمة ليس مضموناً، ولكن هذا الخيار هو الأفضل مع إمكانية تعديل يسمح له بتعيين وزير عدل من «الليكود»، ولكن هذا مرهون بموافقة غانتس الذي يواجه هو الآخر خطر تقلص أو تلاشي حزب «ازرق- أبيض» أو حتى إزاحته عن رئاسته.