بقلم - أشرف العجرمي
تقدمت محادثات تشكيل الحكومة في إسرائيل بين طاقم "الليكود" وطاقم "أزرق- أبيض" في كل القضايا، وحسب مصادر إسرائيلية تم الاتفاق حول كل المسائل قيد النقاش، بما في ذلك توزيع الحقائب الوزارية وموضوع ضم إسرائيل للمستوطنات وغور الأردن وبعض مناطق (ج)، وكان من المفروض أن تتم صياغة النصوص التي تشمل كل هذه الاتفاقات لولا تراجع "الليكود" عن الاتفاق حول لجنة تعيين القضاة، بعد ضغط شديد من أطراف كتلة اليمين التي تعارض إعادة الاعتبار لمحكمة العدل العليا وتغيير التوجه العام الذي يقلص صلاحيات السلطة القضائية، مقابل زيادة نفوذ السلطتيْن التشريعية والتنفيذية، حيث لليمين قدرة أكبر على التأثير وفرض المواقف.
وقد أوقف "أزرق- أبيض" المفاوضات بسبب هذه القضية لحين عودة "الليكود" عن موقفه الجديد المناقض للاتفاق بين الجانبين. ومن ناحية أخرى يريد بيني غانتس زعيم "أزرق- أبيض" أن يمنحه رئيس الدولة فترة إضافية لتشكيل الحكومة وعدم نقل التفويض إلى بنيامين نتنياهو، خوفاً من فقدان القدرة على الاحتفاظ بحق تشريع قانون ضد نتنياهو في حال فشلت المفاوضات تماماً ولم تؤد إلى تشكيل حكومة وحدة حسب التفاهمات بين الطرفيْن.
على كل حال، لا يبدو أن المساعي لتشكيل حكومة وحدة تضم كتلة اليمين و"أزرق- أبيض" وربما "حزب العمل" ستفشل في ظل رغبة الطرفيْن الرئيسيْن في الحصول على هذه الحكومة التي تنقذ نتنياهو عموماً من الذهاب إلى السجن، وتقضي على فرص المعارضة في تشكيل بديل مغاير حتى الانتخابات القادمة. ولكن ما يهمنا أكثر من أي شيء هو الاتفاق بين طرفَيْ الحكومة العتيدة الرئيسيْن بخصوص موضوع ضم المستوطنات وغور الأردن أو فرض السيادة الإسرائيلية على هذه المناطق وفق تعبير اليمين الإسرائيلي. وحسب هذا الاتفاق، فإن الضم سيحصل بالاتفاق الكامل مع الولايات المتحدة، وبإدارة حوار مع المجتمع الدولي، وأنه سيتم اعتماده في الحكومة ثم بعد ذلك في الكنيست. وأن التنفيذ سيبدأ اعتباراً من شهر تموز المقبل.
الاتفاق حول الضم يمثل انتصاراً لليمين الإسرائيلي المتطرف الذي مارس أشد الضغوط على نتنياهو وبعض أطرافه وهو ائتلاف "يمينا" هدد حتى بالانتخابات فيما لو لم يفرض الضم على أجندة الحكومة. وفي الحقيقة، تراجع غانتس عن موقفه بهذا الخصوص، فهو كان يشترط موافقة أميركا والمجتمع الدولي، ثم تحولت موافقة المجتمع الدولي إلى مجرد حوار أو ربما إبلاغ بقرار إسرائيل بممارسة الضم لمناطق فلسطينية محتلة. وعليه لا يفصلنا عن اتخاذ قرار إسرائيلي بالقيام بخطوات فعلية نحو الضم النهائي للأراضي الفلسطينية التي تراها إسرائيل حيوية لها وترغب فيها سوى شهرين ونصف أو ثلاثة شهور على أبعد تقدير بعد تشكيل الحكومة وبدء ممارسة عملها.
وربما يكون فيروس كورونا هو الذي أعطى المهلة المحددة للبدء بإجراءات الضم، على اعتقاد أنه بعد شهر حزيران المقبل تكون الصورة قد اتضحت، وحتى لو لم ينته وباء كورونا فليس هناك من مانع لدى الأطراف اليمينية الإسرائيلية لتنفيذ خطوة الضم، بل هي مستعدة منذ الآن لعمل ذلك. فلم يوقف انتشار المرض الإجراءات الإحتلالية من بناء استيطاني ومصادرة الأراضي وتنفيذ اعتقالات يومية بحق الفلسطينيين. ولكن لأن "أزرق- أبيض" طالب بمهلة، تم الاتفاق على هذه المهلة، على فرض أن هذه حكومة طوارئ لمحاربة فيروس الكورونا. إذاً نحن على موعد مع حرب إسرائيلية ضدنا بعد الكورونا أو ربما خلال فترة استمرار الكورونا إذا ما قدر لهذا المرض أن يستمر أو يتفاقم إلى ما بعد شهر حزيران المقبل. فالنسبة لنتنياهو ولليمين عموماً، هذا سيكون أهم انجاز يحققونه في برنامجهم الذي يناقض فكرة الحل السياسي المتوازن وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967.
نحن إذاً في مرحلة العد التنازلي لمواجهة القرار الإسرائيلي المتخذ بالضم، والذي يبدأ من لحظة حصول الحكومة الجديدة بعد تشكيلها على مصادقة الكنيست. والسؤال ماذا سنفعل حتى ذلك الوقت؟ هل سيمر قرار الضم كما مرت القرارات بخصوص القدس وغيرها؟
إذا بقينا على حالنا اليوم، فإن شيئاً لن يحصل سوى التنديد والشجب والبكاء والعويل والمناشدات، وما شئتم من مواقف اعتدنا عليها ولم تعد ذات فائدة. أما إذا أردنا فعلاً مواجهة القرار الإسرائيلي المحسوم والقادم إذا تشكلت الحكومة ولم تذهب إسرائيل إلى انتخابات قادمة، فعلينا أن نهيئ أنفسنا منذ الآن لهذا الإحتمال الواقعي جداً. وهذا يتطلب سلسلة من القرارات الفورية والجريئة، أولها انهاء الانقسام. فلم يعد بامكاننا الحديث عن مواجهة المشروع الإسرائيلي في ظل الانقسام وتكريس دولة غزة في مواجهة دولة الضفة. وبصراحة أكبر، من يعيق إنهاء الانقسام بغض النظر عن مبرراته ودوافعه هو شريك للاحتلال بالضم وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني. ولنتعلم من عدونا، فالكورونا وحدها وجعل غانتس يتخلى عن طموحه وربما مستقبله السياسي لأنه اعتقد أن محاربة كورونا والانتصار عليه هو المصلحة الإسرائيلية العليا. ونحن لم يوحدنا كورونا وبقينا نتحدث عن شعارات وعبارت جميلة وواقعنا لا يؤهلنا لشيء. فما بالنا والأخطر من "كورونا" أصبح واقعاً يهددنا. بعد الوحدة وقبلها نحن بحاجة لبرنامج وطني يستنهض طاقاتنا ويضع كل مقدرات الشعب في مواجهة المشروع الاستيطاني الذي يهدد وجودنا كشعب وحقوقنا الوطنية المشروعة في الحرية والاستقلال. ولكن من دون وحدتنا الوطنية سنكون قدمنا الخدمة الأكبر لإسرائيل وسنظل بعدها نبكي على الأطلال وحينها لن ينفع الندم.