بقلم : أشرف العجرمي
تعاظمت ردود الفعل في العالم الإسلامي على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي جاءت في حفل تأبين المدرس صمويل باتي الذي قطع طالبٌ من أصل شيشاني رأسه بسبب عرضه رسوماً كاريكاتورية مسيئة للرسول محمد على تلاميذه، والتي قال فيها إن فرنسا لن تتخلى عن الرسوم ولو تقهقر البعض. وكان قبلها قد تعهد بمحاربة « التطرف الإسلامي» والقضاء على «الانعزالية» والدفاع عن قيم العلمانية.
وقد وصلت ردود الفعل حد مقاطعة البضائع الفرنسية في بعض المجتمعات وحملات إدانة وتنديد واسعة النطاق على صفحات التواصل الاجتماعي، ما دفع العديد من الزعماء للتعبير عن رفضهم للإساءة للرسول ولموقف الرئيس ماكرون، الأمر الذي دفع الأخير للتراجع نسبياً والتصريح بأنه يتفهم «صدمة» المسلمين من رسم الكاريكاتير وأنه لم يؤيد الرسوم، وإنما عبر عن الحق في حرية التعبير، كما أن «الحضارة الإسلامية حققت لفرنسا الكثير» وأنه ليس ضد الإسلام.
بدون شك لا شيء يبرر رسم كاريكاتير يسيء للنبي محمد أو لأي رسول أو نبي آخر، ويجب أن يكون هناك خط فصل بين حرية التعبير وبين الإساءة لمشاعر ملايين البشر. وربما تعلم الرئيس الفرنسي درساً من هذه القضية، ولكن في المقابل لا شيء يبرر قتل المدرس الفرسي أو عملية نيس التي قتل فيها ثلاثة أشخاص، ولا شيء يبرر عملية فيينا ولا أي عمل إرهابي يرتكب باسم الدين أو تحت أي مسمى أو ذريعة. كما يجب ألا يكون انتقاد الرئيس الفرنسي وأي مسؤول في العالم يتجاوز بالسماح بالإساءة أو يرتكبها شخصياً مبرراً لسفك الدماء والعنف ومخالفة قوانين البلاد التي يقطنها المسلمون، خصوصاً تلك التي هاجروا إليها واحتضنتهم بعد أن ضاقت بهم بلادهم الإسلامية، سواء بسبب ضيق الحال وسوء الأوضاع الاقتصادية والبحث عن حياة أفضل أو بسبب القمع والاعتداء على الحريات أو لأي سبب آخر.
وأكثر ما يثير القلق في التمادي في التعبير عن الغضب ليس الدعوة لمقاطعة البضائع الفرنسية أو أي حملات دعائية أخرى، بل في محاولة بعض الدول لتصفية حساباتها مع فرنسا، ليس حرصاً على رسول الله أو حماية للإسلام والمسلمين، وإنما لخلافات سياسية وصراعات على مصالح لا علاقة لها بموضوع الرسول، مثل تركيا التي ترى في الخطأ الفرنسي فرصة لمعاقبة فرنسا على مواقفها تجاه تركيا من تدخلاتها في ليبيا وشرق البحر المتوسط وأماكن أخرى. ويبدو أن الكثيرين في العالم العربي ينجرفون في مشاعرهم وراء التحريض التركي دون إدراك لأسباب تركيا الخاصة في التصعيد تجاه فرنسا ومحاولة معاقبتها والإضرار بمصالحها.
وتركيا تتحمل مسؤولية خاصة في الإساءة للإسلام والمسلمين بدعمها للتيارات الإسلامية المتطرفة التي لا تقتصر فقط على حركة «الإخوان المسلمين» بل وتمتد إلى «داعش» و»جبهة النصرة» والتشكيلات المختلفة التي مارست القتل والدمار في سورية وليبيا والعراق وتونس ومصر وأوروبا، وفعلت ضد المسلمين أكثر بكثير مما فعلت الدول الغربية التي تصنف حسب هذه الجماعات على أنها «كافرة». وطبعاً دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة وتحديداً في سورية لا يقتصر على تركيا التي لا تزال تحتل أراضٍ في سورية، فبعض الدول العربية كانت شريكة في دعم وتمويل هذه الجماعات، وهذا ينطبق على الولايات المتحدة ودول غربية عديدة، بعضها يكتوي اليوم بنيران التطرف التي أشعلت في منطقتنا.
الغريب أن حملات التضامن مع الرسول، شهدت خروج آلاف البشر في كل مكان بما في ذلك فلسطين، وأننا لم نر مشاهد مماثلة احتجاجاً على تدنيس المسجد الأقصى وانتهاك حرمته، وهو المكان الذي أسري منه بالرسول إلى السماء حسب الآيات القرآنية، وهو مكان له قدسيته الخاصة، بحيث أن من يقدس مكانة النبي محمد عليه أن يقدس مساجده في مكة والمدينة والقدس. والذين يخرجون اليوم في فلسطين عندنا احتجاجاً على فرنسا التي شهدت أعمال قتل باسم الإسلام لم نرهم يخرجون عندما أعلن الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس ونقل السفارة الأميركية إليها واعتبارها جزءاً من إسرائيل. وهل ما قام به الرئيس الفرنسي الذي هو على المستوى الشخصي لم يسئ للرسول أكبر خطراً أو أسوأ مما تقوم به إسرائيل كل يوم وما قامت به الولايات المتحدة. أم أن تركيا تلعب دور المحرك لحساسيات وصراعات لا طائل منها، بغض النظر عن الغضب الحقيقي والمبرر ضد أي إساءة لمكانة الأنبياء والرموز الدينية؟
لقد كان رد الأزهر في مصر على درجة كبيرة من الوعي عندما طالب المسلمين بالاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها ولعب دور إيجابي. نعم هؤلاء عليهم أن يحترموا البلدان التي فتحت أبوابها لهم ويقدموا نموذجاً حضارياً يدحض النموذج الدموي الذي تقدمه «داعش» و»النصرة» وغيرهما من الجماعات الإرهابية التي تسيء للإسلام وتخلق أسواراً بين المسلمين والمجتمعات التي يعيشون فيها وحتى بين المسلمين أنفسهم في بلاد المسلمين الذين ذاقوا الأمرين نتيجة لجرائم «الدواعش» على اختلاف مسمياتها. وأي خلاف مع زعيم أو نظام أو شخص أو مجموعة يجب أن يحل بطرق ديمقراطية هادئة وواعية وليس عن طريق العنف والإرهاب.