عندما نألف النِّعم
أخر الأخبار

عندما نألف النِّعم

عندما نألف النِّعم

 لبنان اليوم -

عندما نألف النِّعم

سما حسن
بقلم : سما حسن

أرسلت أسطوانة الغاز للموزع لكي يقوم بتعبئتها، حملها على ظهره ذلك الشاب الأسمر عريض المنكبين وهبط بها سلم البناية، وعدت لمواصلة عملي، وقد وعدني أن يعيدها ممتلئةً بغاز الطبخ في اليوم التالي، مر على وعده يومان ولم يأتِ، فاتصلت به وسألته عنها فقال لي: ما لون أسطوانتكم؟، وهنا لم أجد جواباً دقيقاً، فالشاب لم يميز الاسم الباهت المدون على الأسطوانة، وربما أراد ان يسهل عملية البحث، ولكني اكتشفت أنني لم أكن أعرف لونها.
سرحت قليلاً ثم ناديت ابنتي الصغيرة وسألتها على عجل: ما لون «الانبوبة»؟ فهزت ابنتي كتفيها الرقيقين بمعنى لا أذكر او لا أعرف، فيما جاء صوت ابنتي الكبرى من غرفتها: يا ماما، لونها إما أزرق او رصاصي، هذان اللونان فقط المشهوران للأنابيب، وهكذا اكتشفت أنني امتلك اسطوانتين لغاز الطبخ لا اعرف لونهما بالتحديد.

قد يبدو اكتشافي مضحكاً، فغالباً ما تكون ألوان الأنابيب كالحة وربما علا أكثر محيطها الصدأ، ولذلك فقد يختلط اللون الأصلي بلون الصدأ والقدم،  ولكني أحفظ هيئة اسطوانة الغاز جيداً، وحين أنظر لها عندما يعود بها الموزع فأرسل نظري نحو اسم ابني الأكبر المدون على جانبها، وأشير له ان يحملها للطابق العلوي من البناية، حيث أسكن مع اولادي، ولكني لم افكر يوماً بلون الاسطوانة، رغم فائدتها العظيمة، لقد ألفت وجودها واعتدته ومررت بها في روحي وذهابي إلى مطبخي الصغير وهي ترقد بهدوء وبثقلها على بعد متر من الموقد، ويربط بينهما خرطوم بلاستيكي.

إننا يا أصدقاء قد ألفنا النعم حتى نسيناها، وقد اعتدنا الخير حتى لم نعد نشعر بقيمته، وتعودنا على توفر كل شيء بين ايدينا من مأكل ومشرب، وتعاملنا مع أجسامنا بصحتها وعافيتها حتى نسينا ان فقدان الشيء كارثة، ونقصان النعم مصيبة، وأن غياب الرزق بلاء، فلا أحد يستطيع أن يعيش دون كماليات قبل الأساسيات في هذه الأيام.يتندر كثيرون بأن سائل غسيل الشعر قد نفد، وبدؤوا يخلطون ما تبقى في قعر القنينة بالماء، وذلك بسبب تأخر صرف رواتب الموظفين، ولكن لا أحد قد فكر يوماً ما ان يشكر الله على نعمة الراتب الصغير الذي يطير بمجرد ان تغادر آلة الصراف الآلي، أو قبل أن تصل به إلى البيت.

الراتب كان يطير إلى الفواتير والأقساط والسوبرماركت ومحلات الملابس والصيدلية على زاوية الشارع المفضي إلى البيت، وكنا نتأفف ونشعر بالسخط لذلك، حتى تأخر الراتب وأصبحنا نتمنى ان يعود لكي يطير قبل أن يصل على البيت، فالراتب على الأقل لم يكن يضطرنا لأن نخلط ما تبقى من سائل غسيل الشعر» الشامبو» بالماء.من المؤكد أن الراتب هو حق الموظف، ولكن الموظف تأخر كثيراً في شكر النعم، ولذلك حين يعود الراتب يجب ان نفكر بأن ننظر ونتأمل إلى قنينة سائل غسيل الشعر، أن نتأملها كثيراً، أن نضعها على الطاولة أمام الأعين في صالون البيت، وان نضع الفواتير المسددة والمختومة على الخزانة الصغيرة بالقرب من باب البيت وتحت المرآة التي نهذب أمامها ملابسنا قبل خروجنا، لكي نشكر الله دائماً على نعمة قليلة، لا نشعر بقيمتها إلا حين نفقدها.

ربما كان الراتب أحد النعم المحسوسة، ونرجو ان تجد الحكومة حلاً ومخرجاً لهذه الأزمة بما يسمح للموظف بتسديد اقل التزاماته، وان نبقى على قلب رجل واحد في مواجهة مخطط الضم، وكل ما يمس شرعية القضية الفلسطينية، وفي نفس الوقت يجب أن نشكر الله على النعم ونشعر بالامتنان وبأننا محظوظون لأننا امتلكنا القليل، حتى لو ضاع القليل فسوف تصاب حياتنا بالشلل، فدائماً علينا ان نتذكر انه بالشكر تدوم النعم، وبأن أصعب بلاء يصيب الإنسان هو أن يألف النعمة فلا يشعر بقيمتها إلا حين تزول.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما نألف النِّعم عندما نألف النِّعم



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

إطلالات محتشمة بلمسات الريش وألوان ربيعية تزين إطلالات النجمات

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:47 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

أفكار لارتداء إكسسوارات السلاسل

GMT 20:32 2022 الثلاثاء ,10 أيار / مايو

أفكار لتنسيق إطلالاتك اليومية

GMT 22:11 2022 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

أفضل الأحذية المثالية للحفلات

GMT 10:06 2022 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار الأحذية النود المناسبة

GMT 20:39 2023 الثلاثاء ,02 أيار / مايو

أبرز اتجاهات الموضة في حقائب اليد هذا الصيف

GMT 17:22 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 17:19 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 20:40 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

اتيكيت الأناقة عند النساء

GMT 13:37 2020 الإثنين ,07 أيلول / سبتمبر

تعرفي على طريقة عمل الكريب الحلو بالوصفة الأصلية

GMT 14:10 2022 الإثنين ,04 تموز / يوليو

باريس العربية

GMT 09:39 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

مارثا هونت تكشّف عن جسدها الرائع في فستان أسود

GMT 18:10 2022 الأربعاء ,12 كانون الثاني / يناير

تطوير روبوت يَسبح عبر الأوعية الدموية لتَفتيت الجلطات

GMT 13:19 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

أسعار النفط تقترب من الـ 90 دولاراً للبرميل

GMT 19:03 2022 السبت ,14 أيار / مايو

نصائح لاختيار ملابس العمل المناسبة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon