البحث عن طفل اسمه حسام
أخر الأخبار

البحث عن طفل اسمه حسام

البحث عن طفل اسمه حسام

 لبنان اليوم -

البحث عن طفل اسمه حسام

سما حسن
بقلم : سما حسن

فجأة تجده أمامك، وتنحني للأسفل كي ترى قسمات وجهه وترى عربة صغيرة يجرها أمامه، فما استوقفك هو صوته وهو يقول: "بدّك أحملك أغراضك؟". وعلى استحياء، وفي بعضٍ من رجاء، كان أمامي هذا الطفل الذي لن أنسى وجهه، وجهه المستدير والذي يطوقه شعر أسود ناعم وبشرته كانت باهتة لا يمكنك تحديد لونها الأصلي، أما عيناه فهما بنيتان غائرتان لسوء تغذية بالتأكيد، ويبدو جسمه ضئيلاً ونحيلاً لدرجة أنك لا تستطيع أن تحدد عمره.

في عمق المدينة أكون، وفي وقت مبكر من يوم ما في الأسبوع، حيث أقرر أن أبتاع الخضراوات لأسبوع كامل، ولأنني لا أستطيع حملها فأنا أستعين بطفل صغير يجر عربة بلاستيكية صنعها بيديه، لكي يحمل لي الأكياس الثقيلة حتى يوصلني نحو موقف السيارات، فأستقل إحدى سيارات الأجرة متوجهة نحو بيتي على أطراف المدينة، ولي ولع بسيارات الأجرة وأحاديث ركابها لا يوصف، ولذلك لم أفكر يوماً أن أقتني سيارة خاصة، ولكن لي قصة عشق لا توصف مع سيارات الأجرة القديمة المتهالكة التي يروي سائقوها وركابها حكايات المدينة البائسة، وهكذا فقد نفذت مخططي المعتاد، وكان هذا الطفل الذي عرفت اسمه فيما بعد يسير إلى جواري، ويضع ما ابتاعه في صندوقه البلاستيكي، وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث.

لمحت ذكاء خفياً تحت وجهه المعرق، ورأيت فيه حاجة خفية لتذوق بعض المعروضات من الفواكه الطازجة التي يصفها الباعة أمامهم بشكل يسيل اللعاب، خاصة مع ساعات الصباح الباكر وقلة الرواد للسوق، ولكنه كان يتظاهر بأن كل ذلك لا يهمه وهو يدفع عربته أمامه، ويخبرني أن اسمه هو "حسام".

السؤال الثاني التقليدي الذي وجهته له كان عن عدد إخوته، فأخبرني أن له تسعة إخوة، ثم أخبرني المتوقع من قصة بائسة منتظرة، وهو أن والده لا يعمل، فسألته: وكيف تعيشون؟ فأجاب بهدوء وهو يشير إلى عربته: كلنا نعمل، أنا وإخوتي.

كان حسام يدفع العربة فيما كان الأسى يندفع إلى قلبي، وكنت أتساءل عن حياة هذا الطفل الذي عرفت أنه في التاسعة من عمره. لم يحدثني أنه يذهب إلى المدرسة، حدثني عن مرض أبيه، وعن الخف المنزلي الكبير المقاس الذي يرتديه وهو يشير له: هذا شبشب أبي، أبي لم يعد يخرج من البيت، ولا يحتاجه، أخرج به كل يوم إلى هنا.

اقترح علي ونحن نسير بين بسطات الباعة: ما رأيك لو تشتري خوخاً؟ فقلت له: وهو كذلك، واشتريت كيلو واحداً فقط، وعددت الحبات الكبيرة الحجم فكانت ست حبات، وضعها بائع سمج في كيس أسود وهو يلح علي أن اشتري كيلو ونصف الكيلو لأنه لا يملك "فكة"، وكنت قد نقدته قطعة نقدية من فئة العشرة شواكل، وتكرر الأمر بخصوص عدم وجود "فكة" مع بائع البطاطا، والذي أصر على أن يملأ لي كيساً كبيراً بحبات البطاطا التي يبدو أنها ليست طازجة وتحتوي كل حبة على ثقوب كثيرة، وقال لي في ضجر: لا يوجد فكة، وقد تساءلت بيني وبين نفسي عن هذا الأسلوب الجديد الذي يستخدمه الباعة في الأسواق، وعزوت ذلك للكساد الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد.

وهكذا كنا نسير أنا والطفل "حسام" نحو موقف سيارات الأجرة، حين قال لي: بدي خوخة، قلت له: حاضر، وسريعاً أوقف لي سيارة بعد أن سألني عن وجهتي، ودسست في كفه الصغيرة المعروقة قطعة نقدية. فرح حين نظر لها وعرف قيمتها، ربما لم يتوقع أن أنقده قطعة بهذه القيمة، وهكذا كان يصف أكياس مشترياتي داخل صندوق سيارة الأجرة، ثم هرول سريعاً وهو يجر عربته، ولم يسمع ندائي خلفه وأنا أقول له: "استنى خد الخوخة...".

في الحقيقة أنني كنت أفتح الأكياس بسرعة بحثاً عن الكيس الذي يحتوي على حبات الخوخ، ولكن الطفل حسام طار فرحاً واختفى عن ناظري، وتأفف السائق واستعجلني ليمضي، وهكذا مضيت ومرت على الحكاية أكثر من أربع " نزلات" إلى السوق حيث عمق المدينة، وقارب موسم الخوخ أن ينتهي، ولم أعثر على طفل اسمه حسام.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحث عن طفل اسمه حسام البحث عن طفل اسمه حسام



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

إطلالات محتشمة بلمسات الريش وألوان ربيعية تزين إطلالات النجمات

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 13:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 11:27 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تركز انشغالك هذا اليوم على الشؤون المالية

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 13:29 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 21:58 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 07:30 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

مفاهيم خاطئة شائعة حول ديكور المنزل

GMT 12:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:34 2016 الجمعة ,02 كانون الأول / ديسمبر

كيك الليمون الشتوية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon