بقلم : سما حسن
موقف صغير قد يزيح غمامة عن عينيك، وهذا الموقف تستنتج منه أن عليك ألا تثق بصديق، وقبل سنوات بعيدة قالت لي طبيبة صديقة: من يريد أن يخسر صديقه فليقرضه بعض المال، وبعد ذلك بدأت تتكشف امامي الحقائق، وهي ان معظم العلاقات والصداقات قائمة على مصالح مادية وبالتالي فهي تنتهي بنهايات مؤسفة اقلها الفراق، وأفظعها ان يقتل أحد الصديقين الآخر.
ما بيعرف سرك إلا ربك وجارك، هذا المثل سمعناه أيضا منذ زمن، وفي الواقع ان سرك يعلمه القريب منك وربما كان عن حسن نية منك لا أكثر، ولكن الحقيقة ان ما تراه أنت عادياً قد يراه من يدعي صداقتك غير ذلك، وقد يراك صيداً سهلاً وقد تقع فريسة لنفس أمارة بالسوء.
قبل سنوات أيضاً -ومازلت أضرب الأمثال- أخبرت صديقة دائمة التردد على بيتي بنتيجة تحليل لي ببساطة وعفوية: تخيلي طلع عندي نقص كالسيوم، وقد كانت هذه الصديقة دائمة التواجد على موائد الطعام في بيتي، فقد أدعوها لنفطر سوياً، وقد أحلف عليها ألف قسم ويمين بأن تتناول الغداء معي ومع عائلتي، ولذلك فقد أصبح لديها صورة عامة شاملة وماسحة وكاشفة لمستوى دخلي ونظام حياتي، وهو المستوى المتواضع او المتوسط او المستور بالنسبة للناس، ولكن في نظرها وقياساً لسوء أوضاعها فهو كان مستوى عالياً، ولذلك فقد أطلقت صفيراً حين سمعت ما أخبرتها به: معقول عندك نقص كالسيوم وإنتي كل فطورك أجبان وألبان ؟؟؟!!
ما بيعرف سرك إلا ربك وجارك، وكذلك صديقك المقرب أو من تعتقد انه صديقك وأنت تبقى مخدوعاً طيلة الوقت حتى تدفع الثمن غالياً، فصديقك يصبح لديه صورة ماسحة كاشفة لكل حياتك وأنت تتحدث أمامه عن أملاكك ومشاريعك، أو عندما يزورك في مكتبك أو مكان عملك او تجارتك، فيصبح لديه تصور لحجم تعاملاتك وما تملك من رأس مال لو كنت ثرياً، وما عليك من ديون إن كنت متعثراً في استثماراتك.
النتيجة أنك لو كنت ناجحاً او حتى هناك من يتحدث أنك ثري بحكم نوع مهنتك وطبيعتها فلا أحد يتخيل ان تاجر الأراضي او السمسار قد يكون مديوناً، ولا أحد يتصور ان «الجواهرجي» بائع الذهب قد يكون ملاحقاً بالديون وعليه القروض الكبيرة للبنوك، ولا يمكن أن يجول بخاطر أحد أن صرافاً يشتغل بأموال شركاء وأن هذه الأموال التي بين يديه ليست له، وبأن دخله مثل دخل أي موظف بسيط.
إذن لقد وصلنا إلى الصراف، الصراف الذي قتل الاسبوع الماضي في غزة في جريمة قتل بشعة، والقاتل هو صديقه، صديقه الذي كان يتردد عليه في مكتبه الصغير والضيق في سوق العملة في وسط المدينة، وصديقه الذي كان يقرضه وينعم عليه بخيرات أرضه التي يزرعها بالخضار والفواكه الموسمية.
إذن فالصديق أصبح لديه تصور لثراء صديقه الصراف، والصراف طيب القلب متواضع التعليم ولديه معاملات سابقة مع صديق العمر، معاملات لم تكن تزيد على مبالغ صغيرة كان الصديق يفي بها على أكمل وجه حتى كسب ثقة الصراف، فهو لم يتأخر في تسديد دين، أو قرض، وربما جاء بمعاملات مالية حققت للصراف بعض الربح فاستبشر وزادت الثقة، وظلت حبال الثقة تمتد من طرف واحد، فيما كان الشيطان يلعب لعبته في الجانب الآخر.
مكالمة هاتفية من الصديق بأن على الصراف الحضور لمقر عمله لكي يقوم بتبديل العملة لطبيب كبير ثري، فحمل الصراف المبلغ وهو يعتقد أنه سوف يقوم بعمل روتيني «صد رد» مع صديقه لن يكلفه سوى المسافة التي سوف يقطعها ما بين قلب المدينة والمخيم، ولذلك فقد ذهب بسيارة أجرة تاركاً سيارته الخاصة لأولاده، وحين وصل لمقر عمل صديقه استدرجه حيث قتله وسلبه المبلغ المالي الكبير.
لا تثق، لا تدخل معاملاتك المالية مع أصحابك، لا تخبر الآخرين عما تملك او تخطط، دع سرك في قلبك، وعندما تخرج مع صديق او تجالسه حادثه بكل شيء إلا المال، لا تفتح خزنة أموال أمامه ولا تتحدث بالهاتف أمامه عن شيكات وأرصدة، ولا تتداول أرقاماً ضخمة على مسمعه، كن حذراً ولا تثق، هذه ليست صداقات، هذه علاقات ويجب ان تبقى علاقات لأن عمقها يعني أنك سوف تصبح جثة في مكان بعيد... عليك ان تعي الدرس جيداً، فقليلك كثير أمام الآخرين حتى لو كان قرطاً صغيراً من الذهب او حتى هاتفاً نقالاً.