بقلم : سما حسن
من المبهج أن يكون هناك يوم عالمي مخصص للاعتذار، اليوم العالمي للاعتذار يعطيك فرصة لكي تتوقف، وتضع يدك على قلبك، وتتذكر، هؤلاء الذين يستحقون منك اعتذارا شفويا ومكتوبا ومفعولا، ما اكثرهم أيها البائس، وعليك ألا تتأخر، فكلما تأخرت أو تلكأت أو اعتقدت انك كنت على حق فسوف تطول القائمة، ويصبح السداد صعبا، ويألف قلبك القسوة، وتعتاد ذاكرتك النسيان.
اعتذر وتقدم بكل جرأة نحو من أخطأت بحقهم، نحو من ظلمتهم بقصد أو دون قصد، ونحو الجماد والحي، وكل شيء حولك فأنت المخطئ إن اعتقدت أن علبة المياه الغازية التي ألقيتها من نافذة سيارتك وأنت تقودها بأقصى سرعة، وبعد أن شربت العلبة حتى آخر قطرة، فألقيتها، فإن اعتقدت أن مثل هذا الفعل لا يستحق الاعتذار فأنت المخطئ.
فلتعدد أيها البائس عدد الذين أخطأت بحقهم بهذه الفعلة التي تكررها كثيرا، ولا يهتز لك جفن، أنت أخطأت بحق سيارتك الفارهة فكيف يبدر من قائدها مثل هذا السلوك الشائن، وأخطأت بحق الشارع الذي أضفت له المزيد من القذارة، وأخطأت بحق طفل صغير يمشي بجوار الرصيف وقد شاهدك تفعل ذلك وسوف يقلدك في أقرب فرصة، والفرصة قد حانت وها هو يلقي بلفافة قطعة الحلوى التي التهمها على قارعة الطريق، بل انه قد وجد متعة في ان تصبح بجوار العلبة الفارغة التي ألقيتها أنت، وأخطأت بحق سيدة تعثرت بالعلبة وسقطت على وجهها وكاد رضيعها يطير من بين ذراعيها بفعل السقوط، وأخطأت بحق عامل النظافة العجوز الذي سوف يجمع العلبة مع باقي القمامة التي ألقاها مستهترون أمثالك.
قد نعتقد أننا قد وقعنا في خطأ صغير، ونتجاهل، ولكننا نكتشف، متأخرا، كم تسببنا من أذى بسبب هذا الخطأ، وقد نعتقد أننا أقوياء لدرجة انه يحق لنا ان نخطئ، واننا كبرنا حتى نخطئ ولا ننتظر الحساب، حتى حين نرفع صوتنا فوق صوت أمنا أو أبينا، فنحن نشعر اننا قد كبرنا، ولا نعرف أننا أخطأنا إلا حين نصبح آباء وأمهات، وحين يسد لنا الدين ونتألم من أعماق قلوبنا.
ان الأقسى من الاعتذار هو تأخيره، ولو أننا اخطأنا واعتذرنا ربما ما خسرنا الأحبة، وربما ما فسر الآخرون أخطاءنا او هفواتنا على مزاجهم، وربما ما قاموا بتقليبها في كل الاتجاهات حتى نضجت وكبرت وتعاظمت، ولم يعد أمامهم وسيلة لاحتواء هفوة أصبحت مثقال الجبل، لأنك قد تأخرت في قول كلمة لا تزيد على ثلاثة أحرف «آسف».
إننا في هذه الحياة نتعلم من الخطأ ولكن الخطأ لا يصبح تجربة فعلية ما لم يكن مذيلا بالاعتذار، ولو وضعنا كل خطأ في قائمة الأخطاء وتنهدنا ومضينا، فسوف يكثر عدد ضحايانا، وسوف يصبح الإصلاح صعبا، فكل خطأ يركب فوق أخيه، وتتحول حياتنا لسلسلة لا تنقطع من الأخطاء، ولا نهاية للأخطاء إلا السقوط المريع خاصة تلك الأخطاء التي تمس الآخرين ومشاعرهم، ورقة قلوبهم، أو حقوقهم، ومستحقاتهم العينية والملموسة والشاعرية والشعورية.
علينا أن نكون في مكان كل شيء، لو تخيلنا صوت الإسفلت الأسود المعبد وهو يصرخ من ألم سقوط علبة المياه الغازية فوقه، لو تخيلناه يصرخ من هول فعلتنا لما اقدمنا على هذا العمل، ولو تخيلنا ألم المحيطين بنا ووضعنا أنفسنا مكانهم، ولم نتوقع أن ما يقومون به نحونا من تسامح لفظي، أو عفو ظاهري، ما هو إلا وجع قلب، وجرحه الغائر سوف يقتلهم يوما، لو تخيلنا ذلك لأعدنا التفكير ألف مرة قبل أن نخطئ، قبل أن نتحول إلى سيول جارفة لا يهمها ما الذي تدمره في طريقها.
إن الحياة مدرسة وأفضل دروسها هو الاعتذار عن الخطأ، ويجب أن نعتذر لأنفسنا أيضا، حين نرفع سقف توقعاتنا بالآخرين وبالحياة، وحين نعتقد أن كل شيء حولنا يجب أن يكون على مقاسنا، لو اعتقدنا ذلك فعلينا أن نعتذر، وأن نتعلم ثقافة الاعتذار لنفس ضعيفة مخدوعة ترى الحياة من ثقب صغير، ولا تعرف أن الحياة تعطي دروسا ليست مجانية.