بقلم : رامي مهداوي
يا وحدنا.. صرخة أطلقها سيد الكلمة محمود درويش بعد غزو إسرائيل للبنان عام 1982؛ بسبب الشعور بالوحدة في مواجهة احتلال غاشم منذ العام 1948. يا وحدنا في العديد من المواجهات والاعتداءات وحتى في المحافل الدولية، وإذا ما تم قياس صرخة درويش عبر الزمن وبمقدار قوتنا كشعب يبحث عن حق تقرير المصير والحرية سنصل إلى استنتاج بسيط بأنه لو كان سيد الكلمة بيننا متواجداً الآن جسدياً في العام 2020 لصرخ قائلاً: يا ضعفنا.
بعيداً عن العاطفة والرومانسية السياسية، يجب أن نعترف بأننا انتقلنا من دور الضحية في مجزرة صبرا وشاتيلا على سبيل المثال إلى دور الجلاد والضحية. والمشاهد في وقتنا الحالي لوقائع مختلفة، لكنها تختزل مشهد الأخ يقتل أخاه ونقدم تبريرات يمكن وصفها بعذر أقبح من ذنب لا تليق بمستوى فلسطين.بالتالي علينا أن نكون واقعيين مع أنفسنا، إن حالة ضعفنا المتزايدة بشكل سريع، خصوصاً بتجريد هويتنا الوطنية وإحلال مُسميات وقضايا أخرى بديلة جعل من الجميع - أفراداً وجماعات - يحصنون مزارعهم كلٌ حسب مصلحته الخاصة الضيقة، فتارة علينا أن نرفع غصن الزيتون وتارة أخرى نرفع البندقية، ونصيح بوجه العدو "الله أكبر" ونقولها أيضاً عندما يذبح ويُعذب الأخ - الذي يعتقد بأنه ظل الله على الأرض - أخاه الباحث عن الحرية، وتارة نُدعى إلى التضحية بالقضية من أجل أن تكون غزة سنغافورة الشرق الأوسط، وتارة نُدعى إلى التضحية بالشعب من أجل تحسين شروط اللعبة السياسية حسب المصالح التي تريدها الأقلية دون أن تستمع لصوت الأغلبية المطلوب منهم الموت فداءً للوطن!!
استمعت الأسبوع الماضي - وبشكل يومي تقريباً - لآراء متنوعة من "قيادات" بعضهم له ماضي عريق بالنظام السياسي والآن يلعبون دور المشاهد الناقد الكافر بالواقع، والبعض الآخر لهم حاضر مُعتم ومضيء حسب مزاجهم ومصالحهم وأهدافهم مع الواقع الحالي. جميعهم يجمعون على أن واقعنا الحالي ضعيف ويستغيثون بعبارة "يا ضعفنا"، هؤلاء تناسوا أو يتناسون أنهم جزء من الحالة التي أوصلتنا إلى هذا الحال، وهم جزء أساسي من حالة الخلل التي تُعشعش في مُركبات النظام السياسي، لهذا ضعفنا هو ليس وليد اللحظة وإنما هو جزء من مسلسل الانهيارات الذي وصلنا إلى الحلقة الأخيرة منه لهذا الموسم.
حتى لا ينتهي مسلسل الملهاة الفلسطينية بالشكل الذي لا نريده، هناك من يحاول استنهاض الواقع ولكن بشكل خجول على الرغم من أننا جميعاً - الكل الفلسطيني - مُتفقون أن علينا قلب الطاولة رأساً على عقب لخلق مضمون جديد يتلاءم مع التغيرات العالمية السريعة، بأدوات غير تقليدية تواكب التطورات في إنتاج المعرفة الحديثة، ودماء أكثر حيوية وبلياقة عالية غير مريضة تعيش الماضي أكثر من الحاضر!!
لنعترف بأنه إذا ما بقينا على حالنا مُكابرين بالإنجازات الدبلوماسية العالمية والانتصارات الخارقة على كافة المستويات دون أن نُشاهد حقيقة ضعفنا التي تزداد يوماً بعد يوم بخسارة حلفاء إستراتيجيين لنا ولقضيتنا، ليس هذا فقط وإنما تحول عدونا الأساسي صديقاً لأصدقائنا الذين تحولوا إلى أعداء إضافيين لنا سيجعل أجيالنا القادمة ترفع شعار... يا وحدنا... يا ضعفنا...
نعم جعلنا أنفسنا بأنفسنا وحيدين ضعفاء، هل نستطيع أخذ الدروس والعبر وأن نحاول الاستنهاض من جديد وأن نعترف بأنه ليس للفلسطيني سوى الفلسطيني وأن نكون معاً أو لا نكون، لكي ندفع الآخرين أن يكونوا معنا من جديد، أم نردد كالمعتاد أنها فرصة لمراجعة الذات ونقوم بجلدها دون أي نتائج وخطط ونكتفي بأن يكون التاريخ هو الحكم على من جعلنا وحيدين ضعفاء!!