معظم الرؤساء الأميركيين كان لهم ما ميزهم وما عُرفوا به.
الرئيس ترومان مثلاً عُرف بأنه صاحب قرار إلقاء القنبلة النووية على اليابان، مع ان هزيمتها كانت قد تحققت وانتهت.
الرئيس كلينتون، عُرف بوصفه الشاب اليافع ضعيف الخبرة، ومع ذلك هزم الرئيس «بوش الأب» نائب الرئيس وصاحب التاريخ الحافل في مواقع الفعل والمسؤولية الأولى، وان انهيار المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو، وانتهاء ثنائية القطبية العالمية لصالح أحاديتها المنحصرة في أميركا، قد تحقق في زمنه.
الرئيس ريغان عُرف بأنه من قاد دفع العالم باتجاه اليمين، وتجاوبت معه في أوروبا رئيسة الوزراء البريطانية في زمنه « تاتشر».
الرئيس بوش الابن، عُرف بغزوه المتسرع والأهوج لأفغانستان ثم العراق، بدون أسانيد ومبررات مقبولة من المجتمع الدولي (بالذات في غزوه للعراق)، ودون تحالف دولي يستند اليه.
كل رؤساء أميركا تقريباً، رغبوا بدورة ثانية في موقع الرئاسة، وانحكمت الكثير من سياساتهم ومواقفهم لضرورات إعادة انتخابهم، بالذات في السنة الأخيرة من ولايتهم الأولى، لكن أحداً منهم لم يصل الى الدرجة التي وصل اليها الرئيس الحالي ترامب من الانكشاف الفج أمام هذه الرغبة.
هذه الدرجة من الرغبة تدفع به الى إدارة كل أمور الدولة وتصميم معالجاتها وسياساتها ومواقفها على كل المستويات الوطنية والمجتمعية الداخلية والدولية على بوصلة وهدف مركزي واحد هو ضمان إعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية في تشرين الثاني القادم. وتذهب به الرغبة وتحقيقها الى مواقف ودعوات لم يلجأ اليها أي رئيس اميركي قبله.
منها مثلا، تحريضه سكان بعض الولايات على التمرد ضد حكامها لأنهم اختلفوا معه وعارضوا سياساته في معالجة وباء كورونا. ومنها، انه يقوم بكثير مما يقوم به ويعلنه في عديد من الحالات من موقع الخلاف او التعارض المعلن مع الهيئة التشريعية (بمجلسيها النواب والشيوخ). وهو ما يرى فيه البعض مساساً بوحدة الحكم وانسجام هيئاته.
ومنها مثلاً، تشكيكه العلني بإمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الطبيعي، والدعوة العلنية لتأجيلها.
ومنها التشكيك بنزاهة الانتخابات وخطر تزويرها إذا ما أجريت، اضطرارا وبسبب وباء الكورونا، عبر صناديق البريد.
يقوم بكل ما تقدم وغيره لخوفه الشديد من فشله في الانتخابات الرئاسية المذكورة، خصوصا وان استطلاعات الرأي، تظهر تقدماً واضحاً لمنافسه مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن. واذا كان لمعظم رؤساء أميركا ما ميزهم وما عُرفوا به، كما تمت الإشارة، فإن ما ميز شخصية الرئيس ترامب:
- افتقاده الخبرة والتجربة في العمل السياسي بشكل عام، الدولي منه بالذات، وعدم إقامته وزناً للمؤسسات الدولية التي بناها المجتمع الدولي، ولا لقواعد عملها وقراراتها واتفاقاتها، وعدم اهتمامه بالمنظمات الدولية المتخصصة، وسحب عضوية بلاده من عدد منها.
- منهج تعامله مع طاقم معاونيه ومساعديه في مؤسسة الرئاسة والوزارات وحجم وسرعة التغيير والتبديل غير المسبوق الذي أحدثه فيه. فقد قام بالتخلص من، واستبدال كل من اختلف معه منهم بغض النظر عن جدية الخلاف ودرجه أهميته. (وصل ذلك الى مستوى وزراء الخارجية والدفاع ومستشار الامن القومي، وآخرين وآخرين بمستويات أقل).
ما تقدم وغيره الكثير، يرسم الصفات الأساسية المكونة لشخصية الرئيس ترامب بأنه : فردي، ذاتي، أناني، لا صديق او حليف له، ولا امان معه.
بالمقابل لا يمكن التشكيك بذكاء الرئيس ترامب.
لكن ذكاءه هو ذكاء ابن السوق «الشاطر» الذي لا يحتكم الّا الى قانون عقد الصفقات، وفنون ومسالك وقوانين دخول الاستثمارات وجني الأرباح. دونما التفات الى طبيعة تلك وأخلاقياتها: من فوق الطاولة او من تحتها، مستقيمة او ملتوية، في النور او في الظلام.
هذا النوع من الذكاء يتوافق مع الحقيقة ان ترامب لا يقيم وزناً ولا اعتباراً لفضيلة الأخلاق بشكل عام.
يشهد على ذلك القصص التي كشفت عن علاقاته النسائية ونوع النساء في تلك العلاقات، وتبديله مواقفه وأصدقاءه ومعاونيه حسب الظروف والمقتضيات كما تمت الإشارة.
ويشهد عليه ايضا، تفسيره وتبريره العلني الصريح والمهين، ان علاقته مع دول غنية تقوم فقط على امتلاكها للمال، وشرائها السلاح والمعدات والمنتجات الاميركية بالمليارات، بما يوفر فرص عمل في بلاده ويقوي اقتصادها.
بهذا الضعف في الخبرة، وذاك النوع من الذكاء، يدير الرئيس ترامب الولايات المتحدة الأميركية وسياساتها على كل الصعد وفي كل المجالات. وفي المركز من اهتماماته، تنمية الاقتصاد الأميركي بكافة جوانبه، وتثبيت الدور القيادي الأميركي التسلطي للعالم لضمان إعادة انتخابه.
وعلى مذبح ذلك تغطي معاركه وعقوباته وإنذاراته من كل نوع كل مناطق العالم وكل أنواع أنظمته. ويتعامل مع دول العالم وقادتها بشكل فج يقترب، مع الكثير منهم، حد الرعونة والاستعلاء وصولاً الى الإهانة.
الاستثناء، الوحيد، لهذا الشكل من التعامل هو علاقته وتعامله مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومع شخص رئيس وزرائها نتنياهو. في هذا الاستثناء تنقلب العلاقة وطريقة التعامل لتكون الأكثر تفهماً ودعماً واسناداً في كل المجالات لضمان أمن دولة الاحتلال وفرض وجودها في المنطقة واستمرار احتلالها.
ولتكون علاقته مع شخص نتنياهو الأكثر حميمية وتفاهماً.
وبديهي القول ان كل ذلك يتم على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية كما تقرها الشرعية الدولية بكافة هيئاتها ومؤسساتها.