بقلم : عقل أبو قرع
يصادف الخامس من حزيران من كل عام ما يعرف بـ»اليوم العالمي للبيئة»، حيث بدأ الاحتفال به منذ العام 1972، بناء على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين تم عقد أول مؤتمر للأمم المتحدة يُعنى بالبيئة في مدينة ستوكهولم عاصمة السويد، ويتم الاحتفال كل عام في دولة، حيث يكون التركيز على موضوع بيئي محدد، والهدف منه هو زيادة التوعية بأهمية البيئة ووسائل الحفاظ عليها، وفي هذا العام، تم اختيار موضوع «التنوع البيولوجي أو التنوع الحيوي»، وأهمية الحفاظ على الخليط الحيوي الفريد من النباتات والحيوانات والطيور والحشرات والكائنات الدقيقة الأخرى، التي تعتمد على بعضها البعض من اجل البقاء، وقد تم اختيار دولة كولومبيا لتكون دولة الاحتفال المركزية في هذا اليوم، لأنها تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم فيما تحويه من تنوع بيولوجي متجانس ونادر ويجب الحفاظ عليه.
ويأتي هذا اليوم في العام 2020، في ظل اجتياح فيروس كورونا للعالم، وما تسبب به من انعزال وإغلاق وتباطؤ الاقتصاد واتساع دائرة البطالة والفقر، ومن ضمنه اضمحلال النشاط الصناعي وتقليل استخدام الطاقة والمركبات والطيارات وما إلى ذلك، ما نتج عنه من آثار إيجابية ولو مؤقتة على البيئة، تمثلت في انخفاض نسبة التلوث البيئي في دول هي من الأكثر تلويثا للبيئة مثل الصين والهند والولايات المتحدة، وهذا يثبت ورغم المآسي التي أحدثها فيروس كورونا، بحصده حياة حوالي الـ 400 ألف إنسان، وإصابة أكثر من 6 ملايين نسمة، ان الإنسان وتصرفاته أو التحكم في تصرفاته هو من العوامل الأساسية في الحفاظ على البيئة والنظام البيئي العالمي وما يحويه من تنوع بيولوجي، نباتي وحيواني وطيور وحشرات مفيدة للبشر.
حيث مع كل الأضرار والخسائر بأنواعها التي أحدثها تفشي فيروس كورونا في مختلف أنحاء العالم، إلا أنه وحسب المعطيات والدراسات الأولية، ونتيجة لبعض الأبحاث من هنا ومن هناك، خرج النظام البيئي العالمي رابحا ولو في الوقت الحاضر على الأقل، حيث تشير المعطيات إلى انخفاض نسب التلوث بدرجة تصل إلى حوالي الـ 80% في المدن الصناعية الكبيرة، مثل بكين ودلهي ولوس انجلوس ونيويورك وسان باولو وغيرها، وتظهر بعض الصور التي تم التقاطها من الفضاء بدء تعافي طبقة الأوزون التي تحمي الأرض ومن عليها من أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة التي كانت تصلها بفعل الاحتباس الحراري، وبينت الوقائع أن قمم جبال الهمالايا في الهند قد تمت رؤيتها لأول مرة بالعين المجردة منذ عشرات السنوات، نتيجة انقشاع طبقات التلوث التي كانت تغطيها وتغطي أجواء الهند بكثافة.
والصين التي تعتبر صاحبة ثاني اكبر اقتصاد في العالم، هي في نفس الوقت اكبر ملوث للبيئة في العالم، سواء من حيث كميات الغازات والمواد الكيميائية الأخرى التي يبثها اقتصادها سنويا، او من حيث استهلاكها لمصادر الطاقة غير النظيفة من مشتقات نفطية وفحم، حيث تحصل على حوالي ثلثي الطاقة من الفحم الحجري الملوث للبيئة، ونتج الدمار الهائل للبيئة في الصين بسبب النمو الاقتصادي السريع خلال الثلاثين سنة الماضية، حيث بلغ النمو في الناتج المحلي الإجمالي السنوي حوالي الـ 10%، وبالتالي تفوقت على دول مثل اليابان وألمانيا، وتقترب بسرعة لتطيح بالاقتصاد الأميركي من قمة هرم الاقتصادات الأقوى في العالم.
ولتدارك الدمار المتصاعد على البيئة في دولة مثل الصين ولو متأخرا وهذا قبل جائحة كورونا الحالية، أقرت الحكومة الصينية، مؤخرا، خطة تهدف الى الحد من الدمار البيئي خلال السنوات القادمة، تشمل الحد من بث الغازات والمواد الكيميائية مثل الرصاص والزئبق والكادميوم بنسبة تصل الى 15%. ورغم أن هذه النسبة ليست بالكافية لاقتصاد عالمي هائل يلوث البيئة بشكل غير متحكم فيه، إلا أن هذا ان تم تحقيقه يعتبر إنجازا كبيرا للنظام البيئي العالمي وما يحويه من تنوع حيوي/ ضروري لبقاء البشرية بأطيافها المختلفة.
وفي ظل يوم البيئة العالمي، وأجواء فيروس كورونا، تبقى مصادر الطاقة التقليدية غير المتجددة هي الملوث الأكبر للبيئة في العالم، وبالتالي الخطر الأكبر على ما يحويه من التنوع البيولوجي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وما زالت الدول تتسابق للحد من هذا الاستهلاك، وهذا ليس بعيدا عنا، فقد أقرت الحكومة الاسرائيلية حديثا، خطة تهدف الى الاستغناء عن مصادر الطاقة التقليدية من فحم ونفط خلال سنوات قليلة، وفقط استخدام التكنولوجيا ومصادر الطاقة النظيفة او المتجددة من شمس ورياح وغاز وما الى ذلك، وبالطبع هذه خطة طموحة، خاصة مع النمو المتصاعد للاقتصاد الإسرائيلي خلال السنوات الماضية.
ومن المعروف ان من ضمن الوسائل، للحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، التوجه نحو الاستثمار اكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، او نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، ومن ضمنها البناء الأخضر، الذي يهدف الى ترشيد استخدام الطاقة والمياه وتقليل إنتاج النفايات بأنواعها المختلفة، مثل استخدام الطاقة الشمسية او المتجددة بشكل أساسي وفعال، وإعادة تكرير المياه واستخدام المياه الرمادية، ووجود أنظمة من اجل فصل وتدوير النفايات، وهناك مؤسسات تحدد معايير وأسس ومواصفات البناء الأخضر، وحتى ان هناك دولا تقوم بمنح الحوافز من اجل التوجه الى هذا النوع من الاستثمار.
ومع حلول يوم البيئة العالمي «2020»، وفي ظل تواصل تداعيات انتشار فيروس كورونا وتزايد عدد الوفيات وارتفاع عدد البلدان التي أجتاحها هذا الفيروس، فدعنا نتذكر أن التقدم التكنولوجي والصناعي وبث الملوثات الى الجو، ليس دائما في الصالح الإيجابي للبشر، حيث دلت نتائج دراسات ومعطيات سريعة، أنه من الممكن التوازن بين نشاطات البشر المفيدة لهم وبين الحفاظ على النظام البيئي بتنوعه الحيوي لهم ولأجيالهم، سواء من حيث حماية الهواء والمياه والغذاء من التلوث، أو حماية الأرض ومن عليها من أشعة الشمس الضارة، أو من حيث منع إحداث الخلل في حرارة الأرض والاحتباس الحراري، وبالتالي قلة الأمطار والتصحر وذوبان الجليد وارتفاع مستوى البحار والمحيطات واختفاء أماكن في بقاع الأرض، وبالتالي إحداث الدمار والوفيات والتشتت، والتي قد تكون أكثر بكثير مما أحدثه «كورونا» وربما غيره من الفيروسات الأخرى.
وعلى الصعيد الفلسطيني، وفي ظل تداعيات أو أجواء «كورونا»، ورغم أننا لسنا من الملوثين للبيئة في العالم، بسبب ضعف الإنتاج الصناعي واستغلال مشتقات الطاقة، إلا أننا نتأثر بما يحدثه العالم في النظام البيئي، ومن التداعيات الخطيرة، والتي ظهرت وتظهر آثارها هنا أو هناك، من تغيرات مناخية وتصحر وارتفاع درجة الحرارة وفيضانات، وفي نفس الوقت فإن من ضمن الأولويات البيئية الفلسطينية، هي التوعية وتطبيق القوانين والإجراءات البيئية الملزمة ومنها إجراء دراسات تقييم الآثار البيئية للمشاريع الفلسطينية المختلفة، والحد من استخدام المواد الكيميائية في الزراعة، وكذلك إيجاد آلية للتنسيق ووضع الخطط المشتركة، بين الجهات العديدة من حكومية وغير حكومية التي تعمل او تهتم بالبيئة الفلسطينية.