بقلم : عقل أبو قرع
بعد عام من اليوم، أي في أواخر شهر آب من العام 2021، ودون تشاؤم ومبالغة، وإذا لم يتم توفير لقاح أمن وفعال ينال ثقة الناس قبل الحكومات والمسؤولين والشركات، سوف يكون فيروس كورونا قد اكتسح العالم، من شرقه الى غربه، ومن شماله الى جنوبه، ونحن في بلادنا لن نكون بالبعيدين عن ذلك، سواء في الضفة أو في القدس أو في قطاع غزة، وسوف تكون دول كثيرة، الصغيرة منها والكبيرة، تشهد انهيارات اقتصادية وصحية واجتماعية وتغييرات هائلة في مختلف نواحي الحياة، وإذا كان عدد الإصابات بلغ، اليوم، نحو 25 مليون إصابة في العالم، فمن المتوقع أن يكون قد تجاوز حاجز الـ 100 مليون إصابة في مثل هذا اليوم في العام القادم، وإذا استمرت النسبة الحالية من الوفيات مقارنة مع عدد الإصابات على ما هي عليها، اليوم، أي تقريبا الـ 3.5%، وإذا لم يتحور الفيروس وتحدث طفرات وبالتالي يزداد خطورة وفتكا، فسوف يقترب عدد الوفيات من حاجز الـ 4 ملايين وفاة في أنحاء العالم.
وربما يعتبر البعض أن وفاة 4 ملايين إنسان أو حتى 10 ملايين شخص بفعل فيروس كورونا ليس بالعدد الكبير، حيث إن عدد سكان العالم يقترب من 8 مليارات إنسان، إلا أن التداعيات غير الصحية والمتعددة التي أفرزها وسوف يفرزها «كورونا»، ستكون عميقة ومتشعبة، وفي مختلف المجالات، ومنها التداعيات النفسية والاجتماعية التي لم يعتد عليها الناس، وسوف تزداد نسب البطالة الى أرقام غير مسبوقة وما لذلك من آثار على مختلف حياة ونشاطات الناس، وسوف تشهد اقتصاديات العالم تراجعات سنوية في أرقام الناتج المحلي الإجمالي بأرقام كبيرة من ناحية السالب، وسوف تتأثر السياحة وما يرتبط بها من نشاطات مثل الفنادق والمطاعم وحركة السفر والطيران، وبالطبع سوف تتغير منظومة التعليم وبشكل لا رجعة فيه، وسوف يكون العالم أكثر حذرا وتأهبا لهذا الفيروس أو لغيره من الفيروسات والأوبئة، وبالطبع سوف يكون العالم أكثر انشغالا وبالتالي يتباطأ التركيز على خطط التنمية والتطوير والتقدم.
وفي بلادنا، فإننا ودون لقاح يتم توفيره للناس بشكل سليم وبطمأنينة، سنصل الى أوضاع صعبة وفي مختلف المجالات، ودعنا لا نأمل ذلك، ولكن من المفترض أن نتهيأ ونعمل على التخطيط على هذا الأساس، أي إذا استمر السيناريو الحالي من عدد الإصابات اليومية.
وفي ظل هذه الصورة المتشائمة والواقعية، فإننا سوف نشهد موجات متتالية وبشكل أوسع وأخطر، أو بالأدق موجة عميقة متواصلة طويلة، تصيب معظم الناس، مع آثار متفاوتة، ولكن تقلق وتربك الناس والمسؤولين والمجتمع والخطط بأنواعها، وهذا يدعونا الى التحضير الى التعايش مع ذلك، نفسيا وصحيا واقتصاديا وتربويا واجتماعيا وما الى ذلك، وسوف يكون الانتشار المجتمعي للفيروس متواصلا، وصولا الى تحقيق نوع من المناعة المجتمعية، أي إنتاج أجسادنا الأجسام المضادة للفيروس التي تكون قادرة على الانقضاض على الفيروس ومحاصرته، ولكن الخطورة هنا تكمن في تلاشي هذه الأجسام المضادة بعد فترة قصيرة كما تشير بعض الدراسات، أو الى إحداث الفيروس طفرات وبالتالي تغيير نفسه، ومن ثم يمنع الأجسام المضادة في الداخل من التعرف عليه ومحاصرته، وحتى يقضي على فعالية لقاح أن توفر.
ودون تشاؤم، فإن علينا أن نتعايش ونخطط للتعايش مع الواقع المتوقع، ومن خلال خطط عملية تناسب إمكانياتنا وواقعنا وظروفنا، ومن خلال تهيئة الناس لذلك، بعيدا عن التخويف أو الشعور بالحرج من الإصابة وما الى ذلك، ودون مبالغة فإن التعايش مع الفيروس، ومن خلال إصابات يومية تتجاوز الـ 500 إصابة فإننا قد بدأنا التعايش مع واقع الفيروس، وفي مختلف المجالات، ومنها الإجراءات الوقائية من كمامة وتنظيف وتباعد وحذر وما الى ذلك.
والتعايش مع هذا الواقع، بدأ ينعكس من خلال أنماط الحياة الجديدة التي نراها، حيث من يسير في شوارع بلادنا يرى الاعتياد على ارتداء الكمامة مثلا قد أصبح بشكل واسع، وهذا الواقع الجديد بدأ يظهر من خلال العلاقات بين الدول والانكفاء الكبير من أجل حماية المصالح، سواء من خلال إجراءات السفر والطيران، أو العلاقات التجارية، أو إعادة توجيه الأموال نحو الصحة والأبحاث ذات العلاقة وشراء وتخزين أدوية وأجهزة، أو من خلال الاقتناع بالعمل الجماعي والتعاون.
والتعايش مع «كورونا»، يأتي في ظل عدم وجود أمل حقيقي في توفر لقاح أو دواء في المدى القريب أو المتوسط، هذا رغم النتائج الأولية الإيجابية التي يتم الإعلان عنها من هذه الجهة أو من تلك، إلا أن هذه الأبحاث أو النتائج ما زالت أولية وسريعة ونتيجة ضغوطات سياسية واقتصادية كبيرة، وفي ظل تنافس محموم بين الشركات أو مراكز الأبحاث، وأن هذه الأبحاث ورغم أنها تتم في البشر، ألا انها ما زالت تتم على أعداد محدودة من الأشخاص الأصحاء المتطوعين، أي من الفئات الأقل هشاشة في التأثر بفيروس كورونا وتداعياته، مثل فئات كبار السن ومن يحملون الأمراض المزمنة المتعددة، ودعنا نأمل أن السرعة في محاولة الوصول الى لقاح أولا، لن تكون لها تداعيات عكسية على المرضى والأبحاث وإمكانية إيجاد لقاح أمن وفعال ويقبل به الناس.
ولكي نكون واقعيين موضوعيين، ومع مئات الآلاف من الحالات عندنا وعند غيرنا خلال عام من الآن، وفي ظل التعود على واقع التعايش مع كورونا، وبالتالي القبول التدريجي، ومع الزمن به كأي من الفيروسات الأخرى، التي ما زالت تتفشى خلال مواسم العام بيننا، مثل فيروسات الرشح والإنفلونزا أو غيرهما، ومع التسليم بواقع لعدم وجود أدوية فعالة تتعامل مع الأمراض الفيروسية المختلفة وكفيلة بالقضاء عليها، وفي ظل غياب بدائل أخرى، واقتناع الناس بأهمية التوازن بين الأمور المعيشية الحياتية المختلفة والجانب الصحي، فإننا سواء كنا حكومة أو هيئات أو أفرادا، من المفترض أن نحضر للأسوأ فيما يتعلق بهذا الفيروس، وبأن نقوم بالتحضير وكأننا الآن في شهر آب من العام 2021، أي بعد عام من الآن، ودعنا نأمل أن نكون مخطئين، وبأن لقاحا فعالا وآمنا قد يتوفر خلال أشهر، أو أن حدثا أو أمرا آخر قد يقع ويقضي على «كورونا» وللابد!!