بقلم : عقل أبو قرع
في هذه الأيام، بات الحديث عن لقاحات «كورونا» على لسان الجميع، فهناك اللقاح الصيني والروسي والبريطاني من خلال شركة استرا زينكا وجامعة أكسفورد، واللقاح الاميركي من خلال شركتي فايزر وموديرنا، ولقاحات اخرى يتم الحديث عن احتمالات وصولها واستعمالها، وبالطبع يرافق الحديث عن هذه اللقاحات القلق والشائعات والخوف، وما الى ذلك من أمور كثيرة أصبح الصغير والكبير يتداولها في بلادنا وفي البلاد الاخرى، في هذا العالم الذي تجتاحه جائحة كورونا.
ومع الموافقة النهائية من قبل أهم هيئات رقابية في العالم على استخدام لقاحَي شركتي فايزر وموديرنا، يكون العالم قد حقق انجازاً غير مسبوق، حيث ومن خلال خبرتي الشخصية في العمل على تطوير أدوية جديدة في شركات أدوية عالمية في الولايات المتحدة، فإن الحديث عن إمكانية ايجاد دواء أو لقاح لفيروس ما خلال فترة قياسية كما تم مع شركتي فايزر وموديرنا، يعتبر نوعاً من الإنجاز الهائل الذي لم يتوقعه الكثيرون، حيث وبشكل عام تحتاج شركات الادوية الى حوالى 7 سنوات من البحث والتطوير كمعدل، من أجل وضع دواء أو لقاح جديد في السوق، أو تطويره بحيث يصبح متاحاً للمستهك، وهذا يحتاج الى تضافر جهود وحشد طاقات مختلفة، ومن مجالات علمية وتخصصات مختلفة، مثل الكيمياء والأحياء والطب والصيدلة وعلم السموم ومختصي القانون والتسويق والإدارة وما الى ذلك، وهذا بالطبع ما تقوم به شركات أدوية عملاقة، وتملك أسواق الأدوية والمال والخبرة.
والمنافسة العلمية بين الشركات سواء لاكتشاف وإنتاج الأدوية أو اللقاحات ظاهرة متأصلة، وهذا بالطبع يصب في مصلحة البحث العلمي والابداع والابتكار، ولكن حين تتحول المنافسة لتأخذ منحنى له بعد سياسي أو اعلامي، فهذا أمر غير إيجابي وبالاخص في حال فيروس كورونا، وفي ظل جائحه تؤثر على شؤون الحياة في معظم دول العالم، وبالطبع نحن منهم، حيث بدأت الدول تتسابق في محاولة للحصول على لقاح، أو على عدد من الجرعات من اللقاح هذا أو ذاك، في محاولة لطمأنة مواطنيها ومجتمعها، وللحد ولو على الصعيد النفسي من آثار «كورونا» التي وعلى سبيل المثال في بلادنا، عادت وتصدرت الأضواء من خلال القيود والإغلاقات وارتفاع عدد الإصابات والوفيات.
وفي ظل الحديث عن إمكانية حصولنا على الملايين من الجرعات من اللقاح الروسي، أو ربما الصيني، أو من غيرهما من اللقاحات، يزداد قلق الناس وتزداد الشائعات والحيرة، وليس هذا لأن هذا اللقاح من هذا البلد أو من ذاك، ولكن ربما السبب هو في ضعف الشفافية والاجراءات العلمية والرقابية الواضحة والمتكاملة، والتي يتم الاطلاع عليها في هذه الدول، وعلى ذكر اللقاح الروسي الذي تم انتاجه او البدء في استعماله قبل فترة ربما تمتد لاسابيع، ما زال الاستعمال محصوراً في بلد المنشأ ورغم عشرات بل مئات الآلاف من الإصابات والآلاف من الوفيات في دول اوروبية مجاورة، لم يتم التصريح أو الموافقة على الاستعمال، وما زالت حالات الإصابات والوفيات في ازدياد مطرد في روسيا نفسها، وهذا يدعونا الى الحذر والى التأني قبل استخدامه في بلادنا، بعيداً عن إمكانية الحصول عليه مجاناً، أو بعيداً عن الأبعاد السياسية أو الإعلامية أو غيرها.
وغياب الشفافية أو عدم توفر المعلومات الكافية عن انتاج اللقاحات في بلد ما، هو تماماً بعكس ما حدث في حال إنتاج لقاحات شركات عالمية كبرى تعمل من أجل الربح، مثل لقاح شركتي فايزر وبيونتك أو لقاح شركة موديرنا، حيث وبعيداً عن النتائج المعلنة من قبل الشركات انفسها، تمت مراجعة البيانات الفردية وبالتفصيل من قبل هيئات استشارية علمية مستقلة، قبل أن تقوم الهيئات الرقابية الحكومية مثل «ادارة الغذاء والدواء» و»مركز مراقبة الامراض» في الولايات المتحدة بمراجعه اخرى واتباع كافة الاجراءات المفترض القيام بها للتأكد من سلامة وفعالية اللقاح قبل الموافقة عليه، وكان هذا التأني واتباع الخطوات، رغم الضغوط والمطالبات السياسية وعلى رأسها من قبل الرئيس الاميركي للاسراع في الترخيص والاستعمال.
وفي نفس الوقت، وفي ظل التحضير للحصول على لقاح أو لقاحات عندنا، وبغض النظر من أين أو كيف، فإنه من المفترض عدم التوقع السريع لآثار هذا اللقاح، ويجب مواصلة التركيز على الإجراءات الوقائية، حيث ما زال الكثير مجهولاً عن هذا الفيروس، ومن الامور المرعبة عنه سرعة الانتشار، والتي تحاول دراسات بحثية تفسيرها، من حيث التركيز على فترة الحضانة حيث يكون الشخص الذي يحمله قادراً على نقل العدوى، أي أن الفيروس قادر على الانتقال، وقد ينتقل الى عشرات بل الى مئات من الأشخاص المخالطين خلال هذه الفترة، وحتى لم تم تطعيمه أو أخذ اللقاح، وهكذا تدور العجلة وتتصاعد الإصابات وترتبك الحكومات، وينحشر الناس في بيوتهم وتغلق الشركات والمصالح أبوابها.
وبغض النظر عن الآلية التي يعمل من خلالها اللقاح هذا أو ذاك، سواء من خلال استخدام الفيروس الميت أو الضعيف، أو من خلال استعمال الشيفرة الوراثية لبروتينات الفيروس، فإن الشخص الذي تم تطعيمه قادر على نقل العدوى خلال السبعة أيام الأولى لوجود الفيروس في الانف قبل وصوله الى داخل الجسم والرئة، أي قبل تفعيل المناعة للجسم، وبالتالي من المفترض مواصلة الإجراءات الوقائية، وفي نفس الوقت، فإن عنصري السلامة والفعالية هما اللذان يحددان أياً من اللقاحات للاستعمال، ومن خلال هذين العنصرين من المفترض اقناع الهيئات الرقابية ومن ثم الناس بالموافقة على أخذهما، واقناع الناس بأخذ اللقاح يتم من خلال البيانات الواضحة ومن خلال الخبراء والمختصين بعيدا عن المتطلبات السياسية، أو الاعتبارت المالية، أو ربط الحصول على لقاح من هنا أو من هناك بأمور اخرى أو مصالح طرف أو أطراف.