بقلم : عقل أبو قرع
مع تسجيل مئات الإصابات يوميا في بلادنا، وفي جميع المحافظات، امتدادا من غزة الى الضفة ومرورا بالقدس، بات من الواضح أن فيروس كورونا ينتشر بسرعة وبقوة وبخطورة، ورغم أننا ما زلنا محظوظين بسبب عدد الوفيات النسبي المنخفض عندنا مقارنة مع دول أخرى، على الأقل في الوقت الحاضر، ورغم تجاوز نسبة الشفاء أو التعافي عندنا حاجز الـ 60%، إلا أن الوضع أضحى مقلقا وخطيرا ومربكا للمسؤولين ولصناع القرار، ولرجال الأعمال والاقتصاد، ولمؤسسات التعليم بأنواعها وحتى لكافة الناس.
وفي ظل هذا الوضع الذي يقف العالم، ونحن منه، عاجزا عن القيام بأي شيء أمام «كورونا»، غير فقط إجراء الفحوصات سواء قبل الإصابة أو بعدها، تبقى الإجراءات الوقائية الاستباقية لمنع وصول الفيروس الى داخل الجسم هي الأساس، وهذه الإجراءات ليست بالأمور المعقدة أو التي تتطلب الكثير من العمل والتحضيرات، وببساطة تتطلب القيام بأعمال تمنع الانتقال الفيزيائي للفيروس، أي أن وجود الفيروس في مكان ما من خلال شخص مصاب، ما يمنع انتقاله هو ابتعاد الشخص الآخر مسافة ما لكي يتلاشى الفيروس خلال هذه المسافة ولا يصل الى الشخص الآخر، وتشير الدراسات الى أن هذه المسافة تتراوح بين مترين وثلاثة أمتار، أي ما بات يعرف بمسافة التباعد الاجتماعي، وهذا من السهل القيام به ودون خجل أو استحياء أو تكلف.
حيث بات يتفق جميع المختصين والباحثين والمهتمين، أن فيروس كورونا سوف يبقى لفترة ليست بالقصيرة، وسوف يواصل انتشاره أفقيا وعموديا، أي سوف يكون هناك انتشار وتوطن في أماكن جديدة، وفي نفس الوقت، سوف يكون هناك تصاعد كبير في عدد الإصابات في المكان الواحد، وما يحدث هذه الأيام يؤكد ذلك تماما، وفي معظم بلاد العالم، ومن الواضح أن هذا السيناريو ينطبق كذلك على بلادنا، كما نشهد خلال الأسابيع القليلة الماضية، وإذا لم نتخذ الإجراءات المطلوبة من أجل حصر الخريطة الوبائية والتعامل معها بسرعة، وفقط من خلال التركيز على الوقاية، فإننا سوف نفقد السيطرة على هذا الوضع، في ظل ظروفنا المعقدة وإمكانياتنا الضئيلة والمحدودة.
وفي ظل امتعاض الناس ونفورهم من سياسات الإغلاقات، أو العزل، سواء أكان ذلك على مستوى البلد أو المنطقة أو الحي، وفي ظل تداعيات هذه الإغلاقات بعيدة المدى على الاقتصاد والأمور المعيشية والحياتية والاجتماعية للناس، فإن من ضمن الإجراءات البسيطة التي يمكن للجميع القيام بها هو ارتداء الكمامة، أي الأداة الفيزيائية الملموسة التي تمنع وصول الفيروس الى داخل الجسم من خلال الانف أو الفم، وهذا الإجراء البسيط والذي أثبتت الدراسات فعاليته، من الممكن القيام به، سواء في بيئة تتواجد فيها الإصابات أو لا، وفقط يتطلب من الناس التكيف مع ارتداء الكمامة، أي التعود عليها، وبالأخص في أماكن التجمعات أو مواقع الاكتظاظ المختلفة.
وفي ظل تصاعد الإصابات في العالم بشكل مخيف، أي حوالي مليون ونصف المليون إصابة خلال الأسبوع الواحد، وما يتبعها من حوالي نسبة الـ 4% من وفيات، تبقى الإجراءات الوقائية من خلال منع التجمعات بأنواعها من الأمور الأساسية، وهذه التجمعات وبالأخص في بلدان تحتل المناسبات الاجتماعية فيها حيزا مهما من الحياة، ومن ضمن هذه البلدان بلادنا، تعتبر من الناقل الرئيسي للعدوى، أي تشكل المرتع الخصب للفيروس، وتشمل هذه التجمعات الأفراح من أعراس وحفلات نجاح والأتراح والتجمعات التعليمية المختلفة، والتي وللأسف ما زالت تقام في بلادنا وبالأخص في القرى، وباتت تعتبر من الأسباب الرئيسة لانتقال وانتشار الفيروس وما لذلك من تداعيات قصيرة وبعيدة المدى، والتي هي كفيلة بقلب أي فرح إلى حزن.
حيث واختلافا عن غيره من الفيروسات أو الأوبئة المعروفة، فإن هذا الفيروس ينتشر بسرعة ويعتبر عابرا للحدود وبشكل سريع وغامض وغريب، وقد غير أو تلاعب وبأشكال متفاوتة في منظومة العلاقات الدولية، والعلاقات بين الدول ذات الحدود المشتركة، وفي أولويات المصالح والقضايا المشتركة، ومع تواصل إغلاق حدود ومعابر، ومع بدء بعض الدول في الفتح التدريجي لحدودها ومنها ما هو قريب من بلادنا مثل الأردن وإسرائيل، فإن هذا يتطلب منا التركيز على حث الناس للالتزام بإجراءات الوقاية التي هي إجراءات بسيطة، سواء من خلال التوعية أو من خلال تطبيق القوانين.
وفي ظل مواصلة التخبط فيما يتعلق باحتمال توفر لقاح يساعد على الحد من انتشار فيروس كورونا، وآخر هذه التخبطات تصريحات الرئيس الأميركي «ترامب» بأن لقاحا سيكون متوفرا قبل شهر تشرين الثاني القادم من هذا العام، أي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية بعدة أيام، ومن ثم مناقضة هذه التصريحات من قبل علماء وباحثين أميركيين كبار، يجب علينا ألا نتوقع أو نأمل بتوفر لقاح فعال وأمن ويصل الى غالبية الناس، قبل عام على الأقل من الآن، وهذا يدعونا الى التركيز أكثر وأكثر على الوقاية والحذر من وصول الفيروس الى داخل أجسامنا وبالأخص الى أجهزتنا التنفسية، وما لذلك من تداعيات، وحتى لو تم التعافي أو الشفاء، فإن التداعيات النفسية تتواصل ولفترة طويلة.