بقلم : عقل أبو قرع
يشهد العالم هذه الأيام ظواهر متطرفة أو على الأقل ظواهر غير اعتيادية في حدتها وتوقيتها وصعوبة التعامل معها، وربما نكون قد شهدنا ظواهر كهذه في الماضي، ولكن ليست بنفس الشدة والتكرار، والأهم محاولة العلماء والباحثين والمختصين ربطها مع ظواهر مناخية بيئية ساهم الإنسان بشكل مباشر وغير مباشر في الوصول اليها. ومن أهم هذه الظواهر ما بات يُعرف بظاهرة «التغير المناخي»، أو «البيت الزجاجي» وانعكاساتها من خلال ارتفاع درجة الحرارة، وقلة الأمطار والتصحر، والتي ترتبط بشكل مباشر بالتلوث وبالأخص تلوث الهواء في الجو بما تبثه نشاطات الإنسان الى طبقات الجو، مسببةً تراكماً لمواد كيميائية لم نشهدها من قبل.
ومن ضمن الظواهر الطبيعية ولكن غير الاعتيادية في الحدة والمستوى والانتشار، هو انتشار الأمراض المعدية وغير المعدية، وبالأخص أمراض السرطان التي تدل الأبحاث المتواصلة على العلاقة بين ازديادها وبين اتساع التلوث الكيميائي، والأمراض المعدية ومن أشهرها هذه الأيام جائحة « كورونا»، وربما يكتشف الباحثون يوماً ما أن عبث الناس بالنظام البيئي الطبيعي المتوازن الذي كان قائماً منذ ملايين السنين، كان هو السبب الذي أدى الى تحور أو تطور الفيروس ومن ثم الى انتشاره، مع كل التداعيات التي نراها هذه الأيام، عندنا وفي معظم بقاع العالم.
ومع أن الاتهامات ما زالت تُكال للصين، بأنها مصدر وباء كورونا وبالتالي انتشاره في العالم، سواء أكان هذا الانتشار بفعل خطأ بشري مخبري كما يدعي البعض، أو بسبب انتقال الفيروس من الحيوان الى الانسان في أحد أسواق الصين ومن ثم تفشيه الى العالم، الا أن الصين التي تعتبر صاحبة ثاني اكبر اقتصاد في العالم، هي في نفس الوقت اكبر ملوث للبيئة في العالم، سواء من حيث كميات الغازات والمواد الكيميائية الذي يبثها اقتصادها سنوياً، او من حيث استهلاكها لمصادر الطاقة غير النظيفة من مشتقات نفطية وفحم، حيث تحصل على حوالي ثلثي الطاقة من الفحم الحجري الملوث للبيئة، ونتج الدمار الهائل للبيئة في الصين بسبب النمو الاقتصادي السريع خلال الثلاثين سنة الماضية، حيث بلغ النمو في الناتج المحلي الاجمالي السنوي حوالي الـ 10%، في ظل تبؤئها لقب مصنع العالم، بسبب القوة العاملة فيها والتي تقدر بمئات الملايين من البشر.
ومن الظواهر التي نتابعها هذه الأيام ظاهرة الأعاصير، وبالأخص في الولايات المتحدة الأميركية، سواء التي تتشكل ومن ثم تنتقل من خلال المحيط الأطلسي أو من خلال المحيط الهادي، حيث يعتبر هذا العام من انشط الأعوام من حيث عدد الاعاصير حتى الآن، والذي يستمر حتى نهاية شهر تشرين الثاني القادم. والمقلق للمختصين هو شدة وبطء تحرك الاعاصير قبل أن تضرب اليابسة، والذي بدوره يؤدي الى زيادة حدة الدمار التي تحدثه، والذي يتم ربطه بارتفاع درجة حرارة المياه. وحتى البحر الابيض المتوسط يشهد هذه الأيام تشكل اعصار نادر والذي يهدد بضرب سواحل اليونان وما يتوقع أن يُحدثه من دمار وخراب.
ومن تداعيات التغيرات المناخية «التصحر»، اي فقدان التربة الصالحة للزراعة، وحسب احد التقارير الدولية، سوف يخسر العالم التربة الصالحة للزراعة، المتوفرة حالياً، خلال الـ 60 عاماً القادمة، اذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، والذي يؤدي الى تداعي خصوبة التربة وبالتالي عدم إمكانية زراعتها، والسبب الأساسي لذلك هو التغيرات المناخية التي يُحدثها البشر، وبالأخص الدول الصناعية الكبرى والتي تتحكم في الاقتصاد العالمي، من خلال زيادة بث الغازات والملوثات الى طبقات الجو، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع درجة حرارة الأرض والتربة، ومن زيادة التصحر، اي عدم القدرة على زراعة التربة، ومن ذوبان للجليد، وبالتالي حدوث الفيضانات، وإغراق مساحات من الأرض، وكذلك بسبب الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية وتراكمها في التربة، وكل ذلك سيكون له تداعيات كبيرة على الأجيال القادمة وإمكانية توفير الحياه لهم.
ومن الظواهر الأخرى، الحرائق الجنونية التي تجتاح بعض دول العالم، وبالأخص الجزء الغربي من الولايات المتحدة الأميركية، حيث التهمت الحرائق حتى الآن مساحات تقدر بمساحة بعض الدول، وبالأخص في ولاية كاليفورنيا التي تشهد ارتفاعا غير مسبوق في درجة الحرارة وفي قلة الأمطار والجفاف وسرعة الرياح، والذي ادى الى تسريع وتفاقم الحرائق، والتي أدت الى وفاة العشرات وخسائر بمئات المليارات من الدولارات، والعجيب أنه ورغم اتفاق معظم العلماء على ربط ما يحدث في ولاية كاليفورنيا بظاهرة التغير المناخي أو «البيت الزجاجي»، الا ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب ما زال يكابر وينفي ذلك، ورغم ذلك أصبحت ظاهرة التغيرات المناخية أحد المواضيع الأساسية في حملة الرئاسة الأميركية، بين مؤيد وداعم ومعارض، والتي سوف تتم بعد أقل من شهرين.
حيث ورغم الإنكار المتواصل من قبل ترامب ومن غيره من أقطاب الإدارة الأميركية الحالية للتغيرات المناخية الحادة التي تحدث في العالم نتيجة عبث الإنسان بالبيئة وإحداثه الاحتباس الحراري وتداعياته البيئية، ورغم ضغوط التجمعات الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة وفي غيرها من الدول، لعدم الالتزام باتفاقية المناخ العالمية التي تهدف الى الحد من التلوث البيئي الذي يقوم به الإنسان، الا أن مَن يشاهد عدد وشدة الأعاصير والكوارث الطبيعية، من الممكن ان يلاحظ حجم التحديات البيئية التي تواجه العالم، والتي تهدد مناطق كاملة بالانقراض أو بالدمار وتهدد مناطق زراعية هائلة بالتصحر وبتفشي الأمراض، وتهدد مدناً بالغرق نتيجة ذوبان الجليد وارتفاع مستوى المحيط، وفي فلسطين، لسنا بالبعيدين عن ذلك، وبالأخص في قطاع غزه، حيث تشير التقارير الى أنه لن يكون صالحاً للحياة البشرية خلال سنوات قليلة قادمة، والسبب الأساسي هو تلوث المياه.
وفي ظل ما يشهده العالم هذه الأيام من ظواهر أقل ما يقال عنها أنها مقلقلة، وفي ظل تواصل تفشي فيروس كورونا عندنا وعند غيرنا من القريب ومن البعيد، يتواصل عبث الإنسان بالنظام البيئي، وتبقى مصادر الطاقة التقليدية غير المتجددة هي الملوث الأكبر للبيئة في العالم، وبالتالي الخطر الأكبر على ما يحويه من التنوع البيولوجي وعلى تصاعد حدة الحرائق والأعاصير والفيضانات وانتشار الأمراض، وما لذلك من انعكاسات على مختلف بلدان العالم.