بقلم : عقل أبو قرع
رغم انه من الصعب تقديم إجابة واضحة عن هذا السؤال، إلا أنه وبناء على المعطيات الحالية ومن خلال قراءة وتحليل أحداث الأشهر الستة الماضية، من الممكن التنبؤ أو تصور تداعيات بعيدة المدى لتأثير فيروس كورونا، هذا إذا استمر الوضع على ما هو عليه، الآن، أي إذا استمر انتشار الفيروس وبالتالي إحداث المزيد من ملايين الإصابات ومن عشرات الآلاف من الوفيات حول العالم، واستمر الشلل والحذر والترقب، وبالطبع فالتداعيات سوف تشمل معظم ان لم يكن كافة مناحي الحياة، من الصحة والاقتصاد والعلاقات بين الناس ومع الخارج، والعادات والأمور الاجتماعية والتربوية، والتعليم والبيئة والثقة بين السلطات والناس وبين مكونات المجتمع، وحتى التداعيات على السياسة والسياسيين وكيفية إدارتهم للازمة الحالية.
ففي المجال الصحي، سوف يكون التركيز والاستثمار أكثر وأوسع في مفهوم الوقاية وبالتالي في الرعاية الصحية الأولية، من توعية وتطعيم وطبيب أو عيادات العائلة المتكاملة، وفي الفحوصات المخبرية وبالتالي في الأجهزة والأدوات غيرها، أي في فلسفة التعرف على مرض محتمل، سواء أكان مرضا معديا مثل الوضع الحالي، أو مرضا غير معد وبالتالي التدخل في المراحل الأولى بالاعتماد على مبدأ الوقاية ومنع التفشي أو الانتشار في المجتمع، وما يمكن أن يجر ذلك من استنزاف للطاقات وللأجهزة والميزانية، كما نشهد هذه الأيام في مختلف بلاد العالم، ونحن جزء منه.
وسوف تتغير فلسفة القطاع الصحي في العالم وعندنا، من حيث التركيز على أهمية وجود قطاع صحي فاعل وقوي ومتماسك، قطاع يتعامل مع الأحداث من منطلق الوقاية وسبق الأحداث، وليس من خلال ردات الفعل الضعيفة، وقطاع يتصف بالخطط المدروسة والمتكاملة من حيث التوعية والفحوصات لمنع التفشي وإعلان النتائج واتخاذ إجراءات الوقاية، وقطاع صحي يمتاز برعاية صحية أولية فاعلة من حيث التتبع وتوفير الاحتياجات والشفافية والوضوح في التوثيق والتواصل، ويمتاز بتماسك الرعاية الصحية الثنائية والثلاثية من حيث توفر المختصين والأسرة في المستشفيات وغرف الطوارئ والأجهزة والمختبرات وما الى ذلك.
وفي مجال الاقتصاد، سوف يكون هناك الانكفاء نحو الداخل، أو نحو الذات، وبالتالي الاعتماد أكثر على النفس، من حيث زيادة الإنتاج الوطني أو المحلي، وبالتالي الإقبال أكثر على استهلاك الإنتاج المحلي، وهذا بدوره سوف يؤدي الى الاهتمام أكثر بهذا المنتج من ناحية الجودة والسلامة والفائدة، وفي بلادنا من المفترض أن يكون هناك توجه أكثر نحو الإنتاج الزراعي، ونحو العمل في الأرض، ونحو التركيز على المحاصيل الأكثر استهلاكا محليا، وعلى الإنتاج الصناعي المرتبط بالزراعة، سواء من حيث الثروة الحيوانية أو النباتية، والاهم إعادة الاعتبار الى الزراعة والصناعة والتجارة وحتى السياحة الداخلية أو المحلية.
وعلى صعيد العلاقات بين الدول وبين الناس داخل المجتمع الواحد، سوف يتلاشى أو يتضاءل مفهوم العولمة والانفتاح الذي اعتدنا عليه، وسوف يكون هناك حذر شديد في الانفتاح، وتقوقع وقيود على الحركة والسفر والسياحة الخارجية، وسوف تكون هناك تعليمات وقيود جديدة، فيما يتعلق بالسياحة والسفر للدراسة أو للأعمال، وفي إجراءات الوقاية الصحية من عزل وفحوصات وحذر، ولن تعود الأمور الى ما اعتدنا عليه الى المعابر، سواء البرية أو الجوية، وهذا سوف يؤثر على شركات الطيران والسياحة والفنادق والمطاعم وعلى كل ما كان مرتبطا بحركة الناس شبه الحرة، قبل تفشي فيروس كورونا.
وفي المجال البيئي، ومع قلة نشاطات البشر وحركتهم وارتفاع مستوى الوعي والاهتمام النسبي بالنظام البيئي الذي افرزه تفشي فيروس كورونا، فسوف يزيد الاهتمام بمفهوم التلوث وبأنواعه وأسبابه وبالتالي التعامل معه، وبغض النظر عن أن انتقال «كورونا» قد تم من خلال استهلاك حيوانات موبوءة أو لا، إلا أن تصرفات الإنسان غير الطبيعية أو غير الصحية، وعبث الإنسان بالنظام البيئي ومن مختلف الجوانب، ربما ساهم أو سوف يساهم في انتشار هذا الفيروس وفي ظهور سلالات فيروسات أكثر خطورة وأشد فتكا وسوف يكون من الصعب علاجها أو الوقاية منها في المستقبل.
وسوف يستفيد نظامنا البيئي من تداعيات فيروس كورونا، من خلال الاهتمام بمواضيع لم تنل الاهتمام المطلوب في الماضي، وبالأخص على صعيد علاقة العبث بالنظام البيئي مع انتشار الأمراض والأوبئة، حيث نعرف أن هناك أمراضا كثيرة ومنها أمراض «عضال» لها علاقة بالتلوث البيئي وتداعياته، ومنها ما هو اصبح شائعا عندنا، ومنها أمراض السرطان المتنوعة، والتي أصبحت وخلال السنوات القليلة الماضية، مسببا أساسيا للوفيات في كثير من الدول، والمسبب الثاني للوفاة في بلادنا، حيث انه على ما يبدو ان هناك ممارسات حياتية وظروفا بيئية وأنظمة غذائية ساعدت وتساعد على انتشار هذه الأمراض.
وعلى صعيد الآثار السياسية لتفشي «كورونا»، فمن الواضح وحسب الاستطلاعات الحالية أن الفيروس سوف يطيح بقادة ورؤساء، يعتقد الناس انهم فشلوا في إدارة أزمة كورونا، ومنهم الرئيس الأميركي الذي ما زال يتخبط في إدارته للتعامل مع الفيروس وتداعياته، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث يستمر التصاعد الكبير في عدد الإصابات اليومي ليتخطى اليوم حاجز الـ 4000 إصابة في اليوم، حيث ومع الغموض والتخبط والخوف والذهول التي تصيب العالم، وفي ظل عدم وجود بارقة أمل حقيقية علمية بالتوصل الى شيء ما لإيقاف انتشار هذا الفيروس من خلال مصل أو للتخفيف من حدة الإصابة به من خلال دواء فعال، فإن التداعيات بعيدة المدى لـ»كورونا» سوف تكون شديدة وعميقة وتبقى لفترة طويلة، هذا إذا لم يصبح هذا الفيروس أكثر خطورة أو تظهر سلالات أخرى أو فيروسات أخرى تكون أشد إيلاما.