حذر الرئيس اللبناني ميشيل عون من «انزلاق البلاد (لبنان) إلى جهنم في حال عدم توافق القوى السياسية على تشكيل حكومة».
التحذير جاء مع وبسبب اتجاه تأليف الحكومة نحو المزيد من التصعيد وتمسك الأطراف المعنية بمواقفها. خصوصا أن هذا التصعيد قد وصل إلى درجة دخول القيادات الدينية العليا على خط تراشقاته وتفاعلاته وانحيازاته، بطريقة مباشرة وعلنية، وهي حالة لم تحصل بهذا الشكل منذ زمن طويل.
كما وصل التصعيد إلى درجة الصراع المفتوح والعلني المطالب بتوزيع الوزارات محاصصة بين الطوائف، ولو على حساب احتياجات البلد وضروراتها، ومؤهلات الوزير وخبراته وقدراته.
ووصل التصعيد أيضا، إلى درجة قبول التدخل الخارجي بشكل مكشوف، بل واستدعائه والترحيب به. يظهر بأوضح صورة في الترحيب بالتدخل الفرنسي الذي يستحضر في طياته وزواياه التدخل غير المباشر من دول أخرى، أميركا بالذات.
أما التدخل الخارجي من تحت الطاولة فيبقى حاضرا ومتنوعا وقد يكون اشد قوة وتأثيرا، واشد خطورة وضررا في الغالب.
السؤال الأكثر رعبا الذي أصبح يفرض نفسه بوقائع ومعطيات لا يمكن تجاهلها او القفز فوقها هو:
هل جاء تفجير ميناء بيروت بكل تدميره وخرابه على كل الصعد والمستويات الإنسانية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية والبنيوية و..... هل جاء ليفجر معه النظام السياسي الذي ظل قائما ومستمرا في جوهره وطابعه الأساسي دونما تغيير او تبديل او تعديل منذ قيام دولة لبنان قبل مائة عام. وهل جاء تحذير الرئيس عون ليركب على هذا السؤال ويتوافق معه.
حالة الاستعصاء في تشكيل حكومة جديدة مقرونة مع التصعيد السافر في شروط القوى السياسية، يأتي ممتزجا بعمق مع حالة مجتمعية غير مسبوقة يعيشها أهل لبنان بكل طوائفه وطبقاته وانتماءاته وقواه السياسية والمجتمعية.
عناوين هذه الحالة أزمات من كل لون ونوع، أصعب من ان تعد أو تحصى:
أزمة فقر اجتماعي عامة، أزمة وجود دولة للوطن ولكل المواطنين بمؤسساتها ودوائرها وخدماتها، أزمة سيولة نقدية تطال المواطن بالدرجة الأولى وتطال معه البنوك، أزمة بنوك وأرصدة وأولها البنك المركزي، أزمة خدمات، أزمة عدم توفر الأدوية والمواد التموينية، أزمة أمنية تفرض نفسها على الجميع.
العناوين الثلاثة: (الاستعصاء والتصعيد والحالة المجتمعية) تجتمع لكي تقدم معا الإجابة عن السؤال الأكثر إثارة للرعب المشار إليه آنفا:
- انه لم يعد ممكنا استمرار النظام القائم منذ قيام الدولة دون تغييرات جوهرية تطال الأسس التي ظل يقوم عليها، وانه لا شيء يضمن عدم تجدد الأزمات.
- لم يعد ممكنا الاكتفاء لاستمرار الدولة ونظامها «ترقيعات» يتم التوافق عليها والانصياع لها في ظروف وتحت ضغوط معينة وفي فترات متباعدة، كما حصل في اتفاق الطائف تحت ضغط الأوضاع والظروف المتفجرة التي عاشها لبنان انذاك.
- لم يعد ممكنا استمرار الطائفية وتحاصص الطوائف الذي يصل إلى مستويات دنيا وتفصيلية لا يمكن تصورها، وفي كل المجالات. - لم يعد ممكنا للطائفية ان تستمر كأساس أول بامتياز تقوم عليها الدولة ونظامها الشامل.
السؤال الأكثر رعبا المشار إليه يستحضر معه وتلازمه أسئلة من نوع آخر، مثل:
سؤال عن القوى الاجتماعية والسياسية ودرجة جاهزيتها وقدرتها على فرض التغيير المطلوب في النظام والأسس التي يقوم عليها؟
ولا تبدو الإجابة عن هذا السؤال مشجعة بغض النظر عن الأسباب وراء ذلك.
ودونما داع للدخول في تفسير الإجابة وأسبابها وظروفها، ولا الدخول في كيفية الخروج منها «فأهل مكة أدرى بشعابها».
سؤال عن الواقع العربي وقدرته على تقديم العون والإسناد؟
وهنا أيضا لا تبدو الإجابة عن السؤال إيجابية ومشجعة. لكن السؤال يفرض الحديث عن النظام العربي نفسه وعن دوره، وبل يفرض التساؤل عن وجود هذا النظام ابتداءً. يزيد من قوة استحضار هذا السؤال عن النظام العربي، انه يأتي في الذكرى الخمسين لوفاة الرئيس
المصري جمال عبد الناصر الذي كان من اهم توجهاته (ويمكن القول إنجازاته) قيام نظام عربي معني بالدفاع عن حقوق وآمال الشعوب العربية وطموحاتها الوطنية والتنموية، وقادر على دعمها وإسنادها، وعلى حل الخلافات بينها وفي داخلها قبل ان تتطور وتستفحل، وبما يحد من إمكانية التدخل الخارجي، او يوقفها تماما.
السؤال الأكثر إثارة للرعب، يستحضر أيضا سؤالا على درجة خاصة من الحساسية: هل تدفع الأمور في لبنان وحالة
الاستعصاء التي يعيشها باتجاه تدخل الجيش اللبناني ليفرض قيادة أمر واقع للبلاد (عسكرية او مدنية او مختلطة)، ويفرض معها واقعا يفتح الباب أمام متغيرات وحقائق ومعطيات سياسية ومجتمعية سلمية لا يمكن التنبؤ بطبيعتها وفي أي اتجاه تدفع لبنان، ولا التنبؤ بقدرتها على إخراج لبنان مما هو فيه.
اللهم احم لبنان، واحم أهل لبنان.