بقلم : صادق الشافعي
"إن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين قد أصبحتا في حل من جميع الاتفاقات مع الحكومتين الإسرائيلية والأميركية بما فيها كل الاتفاقات الأمنية".هذا ما أعلنه الرئيس محمود عباس كأهم موقف/قرار نتج عن الاجتماع القيادي الفلسطيني يوم الثلاثاء 19 أيار الحالي.وأضاف الى ذلك تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن الوصول الى هذا الحال بالدعم والتشارك مع دولة الاحتلال.هذا الموقف /القرار لبى بالدرجة الأولى مطلباً وطنياً فلسطينياً أساسياً.
وتجاوب مع المطلب (وربما الاشتراط) الأول الذي ظل يطالب به أكثر من تنظيم فلسطيني، ومعهم نسبة وازنة من أهل الوطن وقواه المجتمعية.الموقف/القرار وضع لبنة أساسية يمكن البناء عليها في معركة التصدي للمشروع الصهيو-اميركي بعنوانيه: صفقة القرن، وقرار ضم وفرض السيادة على أراضي الضفة الغربية والمستوطنات المقامة عليها.لا يغير من هذه الحقيقة:
* ان التأجيل الذي حصل للاجتماع القيادي لبضعة ايام لم تكن له ضرورات تفرضه ولا مراهنات تستأهله، فمواقف العدو المحتل وقراراته بالضم والسيطرة كانت واضحة بلا احتمالات جدية للتأجيل، ولا احتمالات للتغيير، الا نحو الأسوأ.
* ان الموقف / القرار لا يلبي كل الضرورات والمطالب الوطنية شديدة الالحاح في هذه المرحلة. ولا يستجيب بشكل خاص لمطلب غالبية التنظيمات الفلسطينية، ومعهم نسبة وازنة من اهل الوطن، المتعلق بالخروج الكلي من مسار التسوية السياسية ومفاوضاتها وتحركاتها ومشاريعها كما هي عليه حتى الآن.
* ان الموقف/القرار لا يتعامل مع الوضع الوطني الفلسطيني الداخلي، ولا يضع تصورات ومقترحات مبادرة، ولو كمقدمات، يمكن البناء عليها ومواصلة الجهود على أساسها، لمعالجة الوضع الوطني الداخلي الذي لا يقبل باستمراره وطني فلسطيني.
خصوصا وأن ضروراته هي بالأول والأساس وطنية فلسطينية عامة وملحّة ولا تقتصر على توقيت محدد، ولا على مواجهة مؤامرة جديدة او تكتيك تنفيذي او عدوان جديد.
* ولا يغير من هذه الحقيقة أيضا، مقاطعة بعض التنظيمات للاجتماع، وعلى أساس استقراء ذاتي مسبق وسلبي لما سيخرج عنه.
فلا أحد كان يمكنه منعهم من اعلان موقفها بعدم الرضا وعدم الموافقة على نتائج الاجتماع إذا ما شاركوا فيه ولم يقتنعوا بنتائجه وبما صدر عنه.
من جهتها، القيادة السياسية ورئاسة الوزراء أصدرت قرارات للأجهزة الأمنية بالتنفيذ العملي والسريع للموقف/القرار بما يتعلق باتفاقات وتفاهمات التنسيق الأمني.
اما اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في اجتماعها الأخير يوم الأربعاء الماضي، ففي الوقت الذي " اكدت على التوجه الذي أعلنه الرئيس عباس بنتيجة الاجتماع القيادي في 19 أيار الجاري"، فإنها أعلنت بالمقابل : " حرصا منا على تحقيق السلام الشامل والدائم والعادل في منطقة الشرق الأوسط فإننا نجدد التزامنا بالقانون الدولي والشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية".
يبقى الحكم على الموقف/ القرار المذكور قائماً على الالتزام به والتعامل معه وتطبيقه في ارض الواقع من جهة، وفي البناء عليه وتطويره وتوسيع مداه وافقه من جهة أخرى.
تطبيق الموقف/القرار، سيواجه بالتأكيد بعوائق واعتراضات لا حصر لها تضعها دولة الاحتلال وتصل حد المقاومة الشرسة بهدف الإفشال. مدفوعة الى ذلك بالتمسك والدفاع عن مكتسبات، وحقائق وحقوق امر واقع راكمتها خلال سنوات طويلة عن طريق استغلال الاتفاقات والتفاهمات، التي ظلت فاعلة خلالها.
العوائق والاعتراضات والمقاومة الشرسة تطال عناوين كثيرة تتعلق بطيف واسع من حاجات وضرورات الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني.
وتطال ضرورات واحتياجات حاسمة للسلطة السياسية.
وتصل الى درجة اثارة جدل مغرض حول استمرار القضية المرفوعة الى المحكمة الجنائية الدولية ضد دول الاحتلال.
الموقف/ القرار الذي صدر ومع كل النقاط المذكورة حوله كما وردت أعلاه، وربما غيرها، ما زال يشكل بداية يمكن البناء عليها اذا ما انشد نظر الجميع الى الجانب المملوء من الكأس ومنطقه الإيجابي، واذا ما تم الاحتكام الى منطق تعاون الجميع الضروري والايجابي لتطوير هذه البداية وتفصيلها في العنوانين الأكثر إلحاحاً وضغطاً:
العنوان الأول، الخروج من مأزق وضعنا الداخلي باتجاه توحيد قوانا وجهودنا وأدواتنا، ومن حالة الانقسام الذي ينخر عظامنا ويضعف قدراتنا، وعلى أساس التمسك بقواعد الديموقراطية السلمية وحرية الرأي وحق الاختلاف.
ان هذا العنوان يشتمل على عناوين أساسية كثيرة تفرض ضرورة التوصل الى وجهة نظر وطريقة تعامل موحدة حولها.
منها: وحدة القيادة والقرار والبرنامج العام، وحدة المؤسسات والأجهزة، تكامل اشكال النضال وتكتيكاته المتنوعة في الشكل والملتقية في الهدف.
ثم النهج الديموقراطي في تسيير امورنا وهيئاتنا ومؤسساتنا، واساسه العودة الى الناس والانصياع لأحكامها، واختياراتها عبر صناديق الاقتراع الديموقراطية والدورية.
في عنوان النهج الديموقراطي تبرز القيمة والضرورة المضاعفتان للحوار ولتوسيع وتنويع حلقات ومستويات المشاركة فيه.
اما العنوان الثاني، فهو التصدي الموحد لإفشال المؤامرات والمشاريع الصهيو-أميركية شديدة الخطورة والعدائية.
ان وحدة الموقف الفلسطيني ودينامية وصلابة تعاطيه مع العنوانين المذكورين، بقدر ما هي ضرورة فلسطينية حاسمة، فإنها أيضا ضرورة مركزية في تشكيل موقف عربي، شعبي ورسمي، على نفس القدر من الصلابة والوحدة والدينامية في مواجهة المؤامرات والمشاريع المذكورة وفي التصدي لها بكافة الأشكال الممكنة وفي مسالك العمل الدولي بشكل خاص.
نعم ما زال بعض الكأس غير ممتلئ... فلننظر الى البعض الممتلئ، ولنعمل على ملء الباقي منه.