بعد عشرة أيام بالضبط، في 3 تشرين الثاني، يتم الفصل الانتخابي في معركة الرئاسة الأميركية وسط اهتمام عالمي.
ببساطة ودون تفصيل، لا توجد دولة ولا شعب في العالم لا يتأثران بما يحصل في أميركا بهذه الدرجة او تلك.
وينطبق هذا القول بدرجة متفاوتة أيضا على القوى السياسية والمجتمعية.
سبب الاهتمام وأيضا دون تفصيل، لأن أميركا هي الدولة الأكبر والأقوى في العالم ولأن أذرعها: أذرع مصالحها ونفوذها واهتماماتها وتأثيراتها ومد نفوذها وتدخلاتها، لا تستثني منطقة في العالم، ولا منظمة او هيئة دولية ولا قارية، وتصل الى التدخل في تفاصيل خاصة لمعظم دول العالم.
لكن الاهتمام بانتخابات هذا العام يأتي «سكر زيادة».
وراء ذلك اكثر من سبب:
منها، زيادة ملحوظة سجلت خلال عهد الرئيس ترامب في عدد وحجم وحدّة الخلافات التي تتدخل فيها أميركا في اكثر من منطقة، وحول اكثر من عنوان، وكلها تقوم على قاعدة الطموح الأميركي في زيادة النفوذ والسيطرة.
ومنها، عمق حالة الجدل التي يعيشها المجتمع الأميركي نفسه وعلى عناوين أساسية مثل العنصرية ومثل تصاعد العنف ومثل الحقوق المجتمعية بتعدد عناوينها.... ومنها، ما فرضه فيروس كورونا واتساع انتشاره وثقل حصيلته من المصابين والمرضى والأموات و...... وتبقى في مركز الاهتمام، شخصية الرئيس ترامب نفسه وحجم وعمق ما تثيره من جدل خلافي واتهامي في كثير من الحالات، وأيضا ما تطرحه من مخاوف.
وإذا كان من الممكن تمرير القول، ان الانتخابات الأميركية ظلت في الغالب تثير مثل هذا الجدل، والقول المطمئن بأن أميركا هي بلد مؤسسات قادرة على ضبط الأمور وضمان الاستقرار، فإن موضوع التخوف الأمني يبقى قادرا على الإطلال برأسه وفرض نفسه.
العنوان الرئيسي للتخوف الأمني ومحتواه وجوهره ان الرئيس ترامب قد لا يسلم بنتيجة الانتخابات ويقبل بها أذا جاءت لغير صالحه.
أثار الرئيس ذلك في أكثر من مناسبة بشكل علني ومباشر، وعندما انتبه، او تم تنبيهه، الى فجاجة أقواله هذه، وردود الفعل السلبية المتخوفة منها وبشكل مسبق، ذهب الى تجليس تلك الأقوال دون ان يخرج عن جوهرها ولا مضمونها.
جاء تجليس الأقوال الكلامي في ثلاثة أشباه جمل:
- انه سيسلم الرئاسة لخصمه إذا فاز في الانتخابات - انه يريد انتخابات نزيهة (شرط).
- ان التصويت عبر البريد لا يمكن ان يؤمن انتخابات نزيهة.
وكأنك «يا بوزيد ما جلست أقوالك ولا يحزنون». خاصة وان الانتخابات عبر البريد معتمدة، وان ملايين الناخبين قد مارسوا حقهم الانتخابي فعلا عن طريقها.
فإذا أضفنا الى الأقوال، إصراره على تسمية القاضية في المحكمة العليا ثم إتمام انتخابها فعلا قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية، وهو أمر غير مألوف ويثير التساؤل
ويؤشر الى نوايا واحتياطات مسبقة لاحتمال خسارته الانتخابات. خصوصا وان القاضية المذكورة على درجة شبه تامة من التوافق الفكري والسياسي والمجتمعي معه.
ثم أضفنا التصريح العلني لمسؤول أمني عالي المستوى في إدارته في الأيام الأخيرة وهو يحذر فيه من تدخل أجنبي في الانتخابات ضد ترامب.
وكأن ترامب يجير بشكل مقصود حرص نسبة من الناخبين على سلاسة الانتخابات وتجنيبها أي مخاوف او خضات ولو جاءت على حساب قناعتهم بالتصويت للمرشح المنافس.
إذا جمعنا ما تقدم وغيره يصبح الحديث عن التخوف الأمني بنتيجة الانتخابات ان جاءت لغير صالح الرئيس ترامب أمرا يقبل التوقع والتفكير.
ويكون عنوان هذا التخوف عدم قبول ترامب بنتائج الانتخابات ورفض تسليم مقاليد الرئاسة لبديله المنتخب، لتدخل الأمور في مسار البحث عن مخرج والاتفاق حوله.
لا أحد يتمنى للولايات المتحدة ان يتحقق هذا التخوف ولا ان تدخل في هذا المسار.
ولا أحد يملك القدرة على رؤية كيفية تطوره، ولا سرعة الخروج منه.
ويبقى أمل المواطن الأميركي العادي معقودا على قواعد الديمقراطية وتقاليدها الراسخة، وعلى ثقته بقدرة المؤسسات الدستورية والتنفيذية، على ضمان انتخابات حرة وديمقراطية تحظى بالقبول الطوعي من الكل بنتائجها.
وان غداً لناظره قريب.