كأن أمر التوحد الفلسطيني أصبح عنوانه التنفيذي المباشر هو تفويض التنظيمات للسيد الرئيس بإصدار مرسوم الدعوة للانتخابات العامة، وتاريخ كل عنوان من عناوينها (التشريعية- الرئاسية - المجلس الوطني).
وكأن اجراء الانتخابات هو البوابة التي تفتح باب التوحد على مصراعيه.
ولهذا الغرض يقوم وفد من قيادة حركة فتح مخولاً من الرئيس بعقد لقاءات مع التنظيمات.
الفكرة في جوهرها وطبيعتها هي مبادرة إيجابية وتؤشر الى النفس الوحدوي، مع ان إصدار المرسوم المذكور هو من صلاحيات الرئيس والسلطة السياسية التي يقودها، خصوصا في حال انحلال المجلس التشريعي كما هو حاصل.
لا يمكن التصور ان يكون الجدل في اللقاءات مقتصراً على العنوان التنفيذي المذكور.
من الطبيعي ان تتناول اللقاءات كل وأهم الأمور الوطنية الفلسطينية، وفي المركز منها الخروج الكامل والناجز من الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية بكل أسسها وتعبيراتها السياسية والمجتمعية والبرامجية والكفاحية والحكومية والأجهزة ...الخ.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل إذا أظهر الجدل انحيازاً بقوة لصالح أولوية عنوان التوصل الى اتفاق حول التوحد والخروج من الانقسام ولو في حدود المبادئ والخطوط الرئيسية العملية والواقعية، اذا حصل ذلك، هل يمكن إعطاء ذلك العنوان الأولوية، ولو على حساب تأجيل الانتخابات للفترة الزمنية اللازمة، لإنجاز اتفاق واقعي لإنهاء الانقسام ولو في حدود المبادئ الأساسية والأولويات ليتم استكمال تفاصيلها بعد الانتخابات؟.
مبرر السؤال هو التخوف المشروع جداً من ان اجراء الانتخابات في حال الانقسام القائم بكل تعبيراته المعروفة، وبما قد يجلبه التنافس الانتخابي المتوقع من إضافات لها لن تؤدي الا الى تصعيب الخروج من الانقسام، وفي أحسن الاحوال تسكينه على ما هو عليه.
وبالتالي، إحالته الى ما تفرزه الانتخابات من أوضاع وهيئات ومعطيات جديدة.
او ان تكرس الانتخابات ونتائجها الانقسام، او تعيد انتاجه بأبعاد جديدة.
والسؤال الآخر الذي يفرض نفسه هو حول بطء وتيرة وتسارع العمل التوحيدي، الجماعي منه بالذات، وما بدأ يطفو الى السطح من احاديث عن حساسيات، ففي 3/9 كان لقاء الأمناء العامين الموزع بين رام الله وبيروت، في24/9 كان اعلان بيان الاتفاق بين حركتي فتح وحماس من اسطنبول.
وقد نص البيان في إحدى فقراته على «أن الرؤية ستقدم للحوار الوطني الشامل ...، ويتم الإعلان النهائي والرسمي عن التوافق الوطني في لقاء الأمناء العامين تحت رعاية الرئيس محمود عباس، على أن لا يتجاوز أول تشرين الأول المقبل، بحيث يبدأ المسار العملي والتطبيقي بعد المؤتمر مباشرة» وبالاتفاق مع هذه الفقرة، جاء إعلان عزام الاحمد ان الاجتماع سيتم يوم السبت 3/10 برئاسة الرئيس لينتج عنه إصدار الرئيس مرسوم الذهاب الى الانتخابات.
لكن جاءت بعده تصريحات الأخ جبريل الرجوب لتؤكد فكرة الاجتماع، لكن في تجاوز للموعد المذكور ودون تحديد تاريخ لموعد بديل.
ثم ظهر الحديث عما أوجده اجتماع «فتح» و»حماس» في اسطنبول التركية من حساسيات، والتسريبات عن حساسية مصر بشكل خاص، بكل ما لمصر من خصوصية.
وهذا على الأرجح، ما فسر قيام وفد «فتح»، الذي حاور «حماس» واتفق معها، بزيارة للقاهرة، ثم الحديث عن عقد اجتماع الأمناء العامين في القاهرة لكن دون تحديد تاريخ، ودون صدور ما يؤكد ذلك من أي جهة رسمية مصرية.
وراء هذا السؤال، الخشية من التأثير السلبي والمعيق لتفاعل استطالة الزمن مع عدم التحديد ومع الحساسيات المشار اليها، ومع احتمال بروز خلافات وربما تراجعات، لتشكل في محصلتها إعاقات جدية للمسار التوحيدي الجنيني ونجاحه.
في كل ما تقدم لا يمكن إغفال دور دولة الاحتلال التي تعتبر تحقيق التوحد الوطني الفلسطيني وإنهاء الانقسام واحداً من خطوطها الحمر الأساسية التي تناهضها وتعمل على منع تحققها بكل قواها وقدراتها ومؤامراتها.
بالنسبة للانتخابات، إذا لم تواجه باعتراضات وإعاقات من دولة الاحتلال تصل الى المنع بالذات في القدس، فيمكن إجراؤها بيسر خصوصاً وان لدينا لجنة انتخابات كفؤة وقادرة وقانون انتخاب جاهزاً.
اذن لماذا لا تكون البداية باجتماع سريع للأمناء العامين في القاهرة كأولوية يناقش بندين:
الأول هو مبادئ وأساسيات حاكمة وملزمة تتعلق بالخروج من الانقسام لصالح الوحدة بعناوينها الأساسية المذكورة آنفا، ومعها آليات تنفيذ محددة حتى لو تم الاتفاق على البدء بتنفيذها بعد إجراء الانتخابات.
والثاني هو الانتخابات وموعدها واي أمور تفصيلية تتعلق بها وصولاً الى إعلان الدعوة لها وتاريخها.
صحيح ما يقال إن الشيطان يكمن في التفاصيل، وصحيح أيضاً أنه يكمن في مسارب الزمن واستطالة دروبه، كما في سكون واستطالة الأمر الواقع.