بقلم : صادق الشافعي
«بايدن» هو الرئيس الأميركي الجديد.
لجهة الفوز بالانتخابات الرئاسية والتغلب على كل مناورات التشكيك والطعن، فقد وصل.
ولجهة ترسيمه شرعياً ونهائياً من مجلسي الشيوخ والنواب فقد وصل.
ولجهة استلامه مهام منصبه الرئاسي وتشكيل طاقمه الحاكم فقد وصل.
اما لجهة الآمال التي بنيت عليه وقامت على ما التزم او وعد به، وعلى الوعود والالتزامات التي خاطب بها العقول ودغدغ الأماني والآمال، فإنها لا تزال في دائرة الانتظار.
وهي قد تبقى كذلك لفترات قد تطول او تقصر حسب أولويتها ودرجة أهميتها وسهولة ويسر التعامل معها، وإمكانية النجاح في تحقيقها خصوصاً حين يشترك فيها أكثر من طرف وتتشابك مع أكثر من ظرف.
اما المنتظرون فهم كثر. من المنتظرين، وربما من أوائلهم، الفلسطينيون ممثلون في سلطتهم وقيادتهم الوطنية.
الانتظار الفلسطيني لا يقوم فقط على أساس الفرح الغامر بمغادرة الرئيس ترامب.
الذي كان ربما الأكثر تحالفاً ودعماً وانحيازاً لدولة الاحتلال ومدافعاً عنها ومقدماً لها المعونات بكافة أشكالها الحمائية والعسكرية والأمنية والسياسية، ومطلقاً يدها الى أوسع مدى في الاحتلال والاستيطان والضم في الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال، وفي كافة اشكال عدوانها على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
الانتظار الفلسطيني يقوم على أساس وعود والتزامات كرر إعلانها الرئيس بايدن خلال حملته الانتخابية واكد عليها مسؤولون من الدرجة الأولى في طاقم حكمه الجديد.
العنوان الأساس الذي تقوم عليه تلك الوعود والالتزامات هو:
«العودة الى الأصول – القانون- الاتفاقات الدولية، وصلبها هو حل الدولتين القائم على قراري مجلس الامن الدولي 242 ،338، إضافة الى الاتفاق المشترك على قاعدة «الامن مقابل السلام» والعودة دائما الى المراجع الدولية».
هذا العنوان الأساس كما يراه الرئيس بايدن لا يتعارض مع الحرص على مصالح دولة الاحتلال وضمان امنها ولكنه يرى تحقيق ذلك في تطبيق حل الدولتين على ارض الواقع.
واذا كان التعامل لتحقيق هذه القضايا/الوعود من العيار الثقيل يحتاج بل يفرض الانتظار، فإن الرئيس بايدن يلتزم البدء بإنجازات ومساعدات تبدو اكثر سهولة وربما في متناول اليد، وذلك من نوع ومثل:
إعادة فتح القنصلية الاميركية في القدس التي كانت مسؤولة عن تقديم الخدمات للمواطنين الفلسطينيين بعد ان كان الرئيس ترامب، قد اغلقها، وإعادة فتح مكاتب منظمة التحرير، واعادة المساعدات الى السلطة الفلسطينية وبعض المؤسسات الوطنية والى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وغيرها. أما التصدي لمهمة تحقيق الوعود الرئيسية والأكثر أهمية وما يمكن تسميته وعود العيار الثقيل فهي مهمة عليها انتظار دورها في الأولويات.
فهناك أولويات أخرى تسبقها، أهمها قضايا وضرورات الوضع الداخلي الأميركي وهي كثيرة ومتنوعة، ثم استعادة العلاقة والدور مع عدد من المنظمات الدولية، ثم العلاقات مع أوروبا ودولها والمنظمات التي تجمعها مع دولها، وربما قضايا وعناوين أخرى.
وفي منطقة الشرق الأوسط فان أولوية رئاسة الرئيس بايدن تذهب باتجاه ايران في سعي لإعادة ترسيم العلاقة معها، وإعادة الالتزام بالاتفاق النووي وربما تعديله وتطويره، ورفع العقوبات الاميركية المفروضة على ايران بالمقابل.
في كل ما تقدم لا شيء يمكن اعتباره والتعامل معه كأمر مضمون، بالذات إذا كان يتعلق بالقضايا الوطنية الفلسطينية الأساسية.
فدولة الاحتلال سوف تستنفر كل قواها وإمكاناتها وعلاقاتها ورصيدها من الأنصار والمؤيدين في الولايات المتحدة، وفي داخل الحزب الديموقراطي (حزب الرئيس بايدن) نفسه لمنع او عرقلة حصول اي متغير ذي قيمة في الموقف الأميركي تجاه قضية الصراع الصهيوني ضد الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وسيصل بها الامر الى الرفض والتصدي المباشر والمكشوف لإفشال أي مشروع بهذا الاتجاه، وبالذات إذا ما تعلق الامر بقيام دولة فلسطينية على الأرض الفلسطينية، حتى لو وصل الامر بها الى التصادم مع الإدارة الاميركية.
الموقف الفلسطيني بشكل عام وبالذات موقف السلطة الوطنية، ينظر بترقب لا يخلو من الامل الى وعود والتزامات الإدارة الاميركية الجديدة.
وقد ساهم ذلك، وبشكل غير مباشر، في تشكل المناخ الإيجابي العام الذي يسود الساحة الوطنية بشكل عام وفي الدعوات الى توحيد الموقف الوطني، والى الانتخابات العامة، والى اللقاء الحواري في القاهرة وغيرها.
لكن هذا المناخ لا يلغي الحقيقة: ان وعود والتزامات الإدارة الاميركية الجديدة سواء كانت من العيار الثقيل او اقل منه والحركة السياسية المنتظرة التي ستتبناها، كلها جميعاً تقوم على أساس الحل السياسي والمفاوضات السياسية ثم حل الدولتين كما تفهمه اميركا في أحسن الأحوال. وهذا الأساس لا يتوفر حوله اتفاق وطني فلسطيني، بالذات وهو يقترن بالدور المحوري، وربما المنفرد، للإدارة الأميركية.
وهذا، ما يسمح بطرح سؤال استباقي جداً:
هل اذا تحقق ما تقدم، وقادت الولايات المتحدة مبادرة جادة تماماً للحل أساسها وعود والتزامات الرئيس بايدن:
هل تلاقي هذه المبادرة تجاوباً فلسطينياً عاماً، يؤشر ولو ضمنياً الى تغييرات في برامج البعض؟ أم ستعيد فتح الباب أمام نيران الخلافات؟