يمكن القول بثقة: إن معظم أهل الأرض تابعوا، ومعهم أنظمة الحكم والقوى السياسية، الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما زالوا يلاحقون تبعاتها ونتائجها الختامية وما يدور حولها من جدل وما تقدمه من احتمالات.
أطراف كثيرة في العديد من دول العالم، السياسية منها بالذات على اختلافها وتنوعها، تشترك في تحميل الانتخابات الأميركية ونتائجها أكثر مما تحتمله. يأتي ذلك من اتجاهين أساسيين ومتعاكسين:
اتجاه الأماني والرغبات، واتجاه التطير والمخاوف.
الاتجاهان، على ما فيهما من تنوع، يشتركان في الابتعاد - وإن بتفاوت - عن القراءة الموضوعية للحقائق كما أفرزتها تجربة الانتخابات على أرض الواقع، وبارتباط وانسجام مع طبيعة النظام السياسي والاجتماعي الأميركي بكل مؤسساته، وبكل استقراره لأزمان طويلة وعبر عشرات الانتخابات الرئاسية.
- بداية لا بد من الإشارة إلى أن الانتخابات الأميركية الأخيرة هي أوسع الانتخابات لجهة عدد المشاركين فعلاً بعملية الاقتراع. فقد تجاوز العدد الـ 145 مليون وهو ما يقترب من نصف العدد الكلي للسكان.. (النصف التقريبي الباقي هو لمن لم يصل إلى العمر الذي يحق له فيه الانتخاب، إضافة إلى كبار السن والمرضى وغير القادرين لأسباب مختلفة).
- إن عملية الاقتراع في الانتخابات جرت بدرجة عالية من الديمقراطية والسلاسة والسلمية، وخلت من التدخلات الأمنية ومن المشاكل أو الاشتباكات بين الناخبين مهما كانت محدودة.
- إن العملية الانتخابية بكاملها تمت واكتملت في إطار وتحت سقف مؤسسات الدولة وقوانينها العامة، ومعها التشريعات المحددة الخاصة والمميزة لكل ولاية، وكما يجيزها النظام الانتخابي العام للدولة وقواعدها.
وحين ظهرت نتيجة الفرز وظهرت اعتراضات وتشكيكات من أحد الطرفين على العملية الانتخابية والنتائج، فقد تمت إحالتها إلى مسارها المؤسسي (مؤسسة القضاء) لتتابعها وتفصل فيها.
- لقد أعطى حوالى 71 مليوناً من الناخبين أصواتهم للرئيس المنتهية ولايته والمرشح لهذه الانتخابات. وهي نسبة عالية تظهر قوة حضوره وتمثيله المجتمعي، ثم الجماهيري والانتخابي رغم شخصيته الجدلية ورغم السياسات التي اعتمدها والقرارات والمواقف والتصرفات الخلافية التي قام بها ونفذها خلال فترة حكمه. وهذا يؤشر على أن نصف الناخبين الأميركيين تقريباً ما زالوا يؤيدونه ويقبلون بتلك السياسات والمواقف.
* إن الإشكال الطافي على السطح والمستقطب لأوسع اهتمام، والمتمثل في عدم اعتراف أحد المرشحين (الرئيس ترامب) بفوز الطرف الآخر بالانتخابات، كما أظهرته نتائج الفرز، وإثارته لطعون في عملية الاقتراع والفرز، هذا الإشكال رغم الحدة غير المعتادة التي يظهر بها على السطح وفي التعبيرات وبعض التصرفات، سيتم في الأغلب والأعم حله في مؤسسات النظام الأميركي العام وفي أروقة القضاء بالذات. وإن الكثير من التخوفات حول اتخاذ مواقف أو تصرفات وإجراءات رئيسية وحادة تجاه بعض الجهات أو حول بعض العناوين؛ وذلك بهدف فرض حقائق أمر واقع في طريق الرئاسة البديلة، هي تخوفات مبالغ فيها، وربما كثيراً.
* أما حول الأماني والمخاوف، فإنه يتم التعاطي مع هذه الانتخابات ونتائجها أكثر بكثير مما تحتمله بتسرع وتبسيط واستعجال، وبأكثر مما تسمح به نتائجها وموقع هذه الأماني والمخاوف في سلم أولوياتها. ويصل هذا التعامل إلى درجة وكأن هذه الانتخابات لم تحصل إلا لتحقيق هذه الأماني، أو لتجنب تلك المخاوف. وفي تجاهل لافت لوجود ضرورات وطنية أميركية على درجة عالية جداً من الأهمية تحتل موقع الصدارة والأولوية المطلقتين في أولويات القيادة المنتخبة.
ولا فرق إن كانت هذه الضرورات الوطنية تتعلق بقضايا مجتمعية ومحلية، أو كانت تتعلق بدور وموقع الولايات المتحدة على المستوى الدولي ومصالحها ونفوذها كقوة أولى فيه وقائدة لقطبه الأوحد.
بين الكثير من أصحاب الأماني والمخاوف يتميز الموقفان الإسرائيلي والفلسطيني.
الموقف الإسرائيلي يتخوف من تراجع الموقف الأميركي برئاسته الجديدة، إذا ما استقر الأمر لها، في تقديم الدعم والإسناد لدولته، ومن تراجع في العلاقة الخاصة جداً معها. وهو في ذلك يقيس على العلاقة الاستثنائية جداً التي أقامها الرئيس ترامب المنتهية ولايته معها والدعم والإسناد الاستثنائيين لإسرائيل في كل المجالات، وعلى كل المستويات.
أما الأماني والآمال الفلسطينية فتقوم على النقيض تماماً. وبأمل أن تعود الأمور إلى مسارها الطبيعي وبالذات إلى مسارها الدولي القائم على مبادرات المجتمع الدولي ومشاريعه وقراراته المعتمدة. وفي الحالتين، فإن الأولوية الأميركية وبغض النظر عن اسم الرئيس تبقى للمصلحة الوطنية الأميركية وضروراتها. ويبقى من أهم ضرورات التعامل الفلسطيني معها تقوية الوضع الذاتي وتوحيد كل مكونات قوته، والخروج من دائرة الانقسامات على كل المستويات.