بقلم : صادق الشافعي
«إعلان نوايا» هو أفضل وربما أدق وصف لما جاء في المؤتمر الصحافي المشترك بين جبريل الرجوب ممثلا عن حركة فتح وصالح العاروري ممثلا عن حركة حماس.
إعلان النوايا كما تعني كلماته، يفترض ان يكون الفاتحة والبداية لورشات عمل مشتركة على كل المستويات وفي كل المجالات السياسية والنضالية الوطنية الداخلية: العامة والتفصيلية. والإعلان يعني، الاستعداد للتوصل الى برنامج عمل واحد وقيادة واحدة ومؤسسات وأجهزة واحدة ومواقف موحدة ومعالجات وفعاليات نضالية مشتركة.
ويعني أيضا، الاستعداد لتقديم تنازلات متبادلة.
إعلان النوايا جاء في طابعه العام وحتى لغته إيجابيا، ومستجيبا للحالة الجماهيرية بشكل عام ولمطالبها الأساسية. وجاء منسجما مع ما يفرضه الواقع الفلسطيني والنضال الوطني من ضرورات وطنية ومطالب شعبية متكاملة ومتداخلة وشديدة الإلحاح، في مقدمتها:
- مواجهة الخطر الآني الماحق والمتمثل في مشروع الضم وصفقة القرن.
- الخروج من مأزق الانقسام بعد ان طال واستفحل، واستعادة الفعل والفاعلية للنضال الوطني الموحد بمشاركة كل التنظيمات السياسية وقوى المجتمع المدني.
- العمل المشترك على بناء النظام السياسي الفلسطيني الموحد بكل مستوياته وأجهزته وأدواته بما يتوافق والضرورات الوطنية.
بهذه الرؤيا وبهذه الآمال، استقبلت الغالبية الكبرى من أهل الوطن هذا الإعلان للنوايا كما جاء بالمؤتمر الصحافي المشترك.
لا يلغي ذلك وجود فئة من الناس لم تبد تفاؤلا - ولا حتى اهتماما - بإعلان النوايا المذكور، لأنها كانت قد وصلت الى شكوك وأحكام سلبية قطعية ونهائية بعدم إمكانية خروج أي شيء إيجابي من مثل هذه المحاولات.
يعزز شكوك هذه الفئة ان إعلان النوايا جاء وهو يخلو تماما من أي عناوين عملية في أي مجال وعلى أي مستوى لنقله الى حيز الفعل والتنفيذ، وأنه ما زال حتى الآن كذلك.
إذا تجاوزنا هذه الفئة، فإن أغلبية الناس رحبت بالإعلان مدفوعة الى ذلك بخطورة المعركة الجديدة ومتطلباتها وضرورة مجابهتها موحدين.
لكن ترحيب الجماهير اقترن بالانتظار والترقب، واقترن بالتخوف أيضا.
أولا، بفعل وتأثير العدد الكبير من قرصات الخيبة والفشل التي نالت آمالها وتفاؤلها في مساعي واتفاقات الخروج من الانقسام بدءا من حلف اليمين على أستار الكعبة وصولا الى اتفاق القاهرة الأخير. رغم ما تميزت به معظم الاتفاقات من إيجابية ووضوح وتفاصيل وآليات، ومن رعاية وضمانات أيضا.
وثانيا، لأن إعلان النوايا لم يقترن معه او يلحق به حتى الآن الإعلان عن أي اتفاقات للتنفيذ ان لجهة المواضيع والعناوين وهي كثيرة وملحّة، او لجهة المشاركين، او لجهة الآليات.
جوهر التخوف هنا ومركزه، ان يقف إعلان النوايا عند حدود إعلانه.
وان يتحول بذلك، الى أقرب ما يكون، الى مجرد إعلان تضامن ونضال مشترك ومتكامل حول موضوع محدد او أكثر بين قوتين كل منهما تبقى مستقلة بذاتها.
وثالثا، لمعرفة الناس وإدراكهم الواعي لحجم ومستوى الخلافات بين طرفي إعلان النوايا وهو ما سمح باستمرار الانقسام وتعمقه واستقراره ووصوله الى درجة المأسسة.
وما تطرحه هذه المعرفة والإدراك الواعي من أسئلة «حراقة» من مثل: هل حركة فتح جاهزة فعلا لمشاركة الآخرين في الهيئات القيادية (المنظمة والسلطة) وإعادة تشكيلها وتركيبها، بما يتوافق مع ذلك.
وهل هي جاهزة فعلا للدخول في صياغة برنامج إجماع وطني مطوّر للنضال الوطني الفلسطيني ومكوناته ومؤسساته وأدواته وأشكاله، وما قد يتطلبه من الخروج من أوضاع أصبحت نوعا من الأمر الواقع؟
هل هي جاهزة فعلا للخروج من الوضع المريح الذي تنفرد فيه واقعيا بالقرار الوطني لضعف ومحدودية قدرة وثقل من يشاركونها فيه حتى الآن؟
وهل حركة حماس جادة فعلا في التخلي عن هدفها منذ قيامها ان تكون هي القيادة الوحيدة وصاحبة القرار، ودون شريك حقيقي، للشعب الفلسطيني بكل هيئاته ومؤسساته ولنضاله الوطني؟ او أن تكون البديل لمنظمة التحرير؟
هل يمكن ان تقبل «حماس» التخلي عن انفرادها وتحكمها التام في حكم قطاع غزة، وفي الأجهزة التنفيذية بكل ما أحدثته فيها من تغيير جذري في مسؤوليها وأفرادها وطرائق عملها، واحتكارها لصالح منتسبيها وعلى مقاسها؟
أما عن التنظيمات الأخرى، فالسؤال هل هي مستعدة وقادرة بالاستفادة من مناخ إعلان النوايا على الدفع باتجاه استكمال ما بدأه البيان والقيام بدور الجامع والموفق وحلّال الخلافات.
ويبقى هناك سؤال «حراق» بشكل خاص يفرض نفسه، هو السؤال المتعلق بالناس أهل الوطن «الجماهير» كما يحلو للتنظيمات والقوى السياسية ان يسموها.
هل سيبقى دورها غائبا عن كل ما يدور الحديث حوله الآن، كما ظل خلال السنوات الماضية؟
الطريق الطبيعية لمشاركة الناس والقيام بدورهم المسؤول في كل ما يتعلق بالوطن وبالشأن العام، هي الانتخابات الدورية، العامة والمحلية وللنقابات والاتحادات الشعبية وهيئات المجتمع. لكن هذه الطريق ظلت معطلة تماما منذ 14 عاما لأسباب اقلها موضوعي واغلبها ذاتي.
وإذا كان من غير المنطقي وغير الواقعي المطالبة بإجراء الانتخابات في هذه الظروف غير الطبيعية، فلماذا لا يتم التفكير جماعيا في بدائل واقعية.
غير ذلك، فسيبقى الحديث/ النقاش عن الجماهير ودورها كمثل حديث الكرادلة في خلواتهم، مع فارق جوهري، أن لا دخان ابيض يخرج عنها كما يخرج عن مجمعات الكرادلة يعلن اتفاقها.