الفالوجا … جغرافيا ما بعد النكبة

الفالوجا … جغرافيا ما بعد النكبة

الفالوجا … جغرافيا ما بعد النكبة

 لبنان اليوم -

الفالوجا … جغرافيا ما بعد النكبة

عبد الناصر النجار
بقلم : عبد الناصر النجار

الفالوجا ذاكرة ليست للنسيان.. مضمون مقالاتي عن بلدتي الفالوجا المهجّرة في الذكرى السنوية للنكبة، التي تزيدنا إصراراً وتمسكاً بحق العودة، الذي لا مجال للمساومة عليه.قادة الاحتلال ومن على شاكلتهم يعبّرون باستمرار عن حلم عنوانه «الكبار يموتون والصغار ينسون»، وقطعاً لن يتحقق لهم ذلك، لأن المؤكد اليوم أن الصغار يحفرون النكبة بكل تفاصيلها في ذاكرتهم الصخرية.في ذكرى النكبة العام الماضي، نشرت صورةً على موقع تواصل اجتماعي يظهر فيها عمي محمد مصطفى النجار، المعلم المتقاعد، وعمي الثالث ترتيباً، أحمد مصطفى النجار، مدير المدرسة المتقاعد، (لأن أبي رحمه الله هو الأول بين إخوانه)، وهما يجمعان حولهما العشرات من الأحفاد ويرسمان لوحة افتراضية للفالوجا... كانا يعلّمان الأطفال جغرافية الفالوجا بتفاصيلها: الحارات، الشوارع، المحال التجارية، المدارس.. وغيرها.

عندما نجتمع في المناسبات أو الأعياد نسأل الأطفال الصغار على سبيل المزاح: من أي بلد أنت؟ فيجيبون دون تردد من الفالوجا. ثم نطرح سؤالاً آخر: ماذا تعرف عن الفالوجا؟ فيبهرنا الكثيرون بأنهم يعرفون عنها أكثر مما نتوقع.العام الماضي أيضاً تشرف أعمامي الثلاثة بمن فيهم يوسف النجار مسؤول الموجهين في وكالة الغوث والمتقاعد أيضاً بزيارة إلى بلدة الفالوجا المدمرة. جرى خلال الزيارة توثيق الرحلة الصعبة بالفيديو والصور الفوتوغرافية، وتم تحميل الفيديو على «اليوتيوب» وحصل على آلاف المشاهدات.خلال تلك الزيارة حاول أعمامي الثلاثة وضع خارطة جغرافية افتراضية محوسبة للفالوجا من خلال ما تبقى من آثار وأطلال.

أحمد النجار «أبو أسامة»، مدير المدرسة السابق الذي أعد أول كتاب عن جغرافية فلسطين ضمن مناهج السلطة الوطنية وله مؤلفات عدة، يتحدث عن الخارطة الجغرافية المتصورة للفالوجا المدمرة، موضحاً المعالم التي ينطلق منها لتحديد الأماكن والتجمعات هناك، يقول: المعالم المتبقية أهمها خزان المياه، الذي لم يدمر ولكن به ثقباً سببته قذيفة مدفعية اخترقته خلال معركة الفالوجا، والبركة أيضاً.. أما مبنى البلدية فهو كومة حجارة، والعيادة الصحية كومة حجارة، ومدرسة الذكور كومة حجارة، ومدرسة الإناث كومة حجارة، وأيضاً الجامع وما تبقى من مقام سيدنا أحمد الفالوجي الذي ترفرف فوقه الرايات خضراء حيث يقوم بعض الفلسطينيين من المقيمين في المنطقة بذبح النذور والأضاحي هناك، أما ماتور «ماتور المياه» فما زال على حاله صدئاً، وجسر أولاد عيسى وجسر أولاد أحمد ما زالا موجودين وكان هناك عمال (العام الماضي) يقومون بترميم جسر أولاد عيسى.
يضيف «أبو أسامة» الخبير في الجغرافيا: هذه المعالم الظاهرة تعطينا نقاطاً أساسية لإعادة رسم خارطة افتراضية للفالوجا اليوم.. وهذا ما حصل فقد أعاد - باستخدام الحاسوب - رسم البلدة بحاراتها وبيوتها وتجمعات عائلاتها ضمن نطاق نقاط الانطلاق السابقة.

وعندما نسأل باعتبارنا الجيل الثالث من أبناء الفالوجا عن البيوت، يتحول الحوار هنا إلى مشهد محزن، خاصة من عمي محمد النجار «أبو بسام» الذي سريعاً ما يجهش بالبكاء متذكراً شقيقتيه مريم ونعمة (عمتاي) وابن خاله و١٧ شهيدا آخر، استشهدوا بصاروخ أصاب منزل خالهم عطا الله بحيث اختلط لحم الشهداء بلحم جمل كان في المنزل معهم.نوبات البكاء تتكرر في كل مرة عندما نجتمع في منزل من منازل العائلة، حين تبدأ النقاشات بين الكبار حول المعالم وخاصة بين والدتي الأكبر عمراً (85 عاماً) وأعمامي.. عندما تطرح المعالم الجغرافية بحرفيتها للفالوجا … ولكن سرعان ما تتحول تلك التجمعات التي يحضرها أربعة أجيال إلى نوبات بكاء.. يفتتحها كالعادة «أبو بسام».
الصغار اليوم يحفظون أكثر من الكبار، والشباب يجهدون في تحويل الخارطة الافتراضية إلى خارطة ثلاثية الأبعاد، واستخدام برنامج يمكن أهالي الفالوجا والراغبين بالتجوال في شوارع ومؤسسات البلدة من ذلك.
بالنسبة لي شخصياً سميت تيمناً بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي كان أحد قادة معارك الفالوجا، وسميت ابني الأكبر «جمال» وهو سمى ابنه الصغير «عبد الناصر» أيضاً، كل ذلك من أجل أن تظل ذاكرة الفالوجا حاضرة مع كل الأجيال.

أعمامي كما يؤكد أبو أسامة نقلوا التفاصيل الجغرافية عن والدهم والأقارب الكبار الذي هم في رحمة الله.في هذا اليوم السبت التاسع من نيسان ٢٠٢٠ تكون الفالوجا قد مضى على تهجير أهلها عنها قسراً ٢٦٠٠٢ يوم، حيث تمكنت العصابات الصهيونية من دخولها في الأول من آذار ١٩٤٩ بعد اتفاقية الهدنة مع مصر واتفاقية رودوس أيضاً حيث أكدت الاتفاقية ضرورة بقاء أهل الفالوجا فيها. إلا أن العصابات الصهيونية وكعادتها ضربت بالاتفاق عرض الحائط وطهرت البلدة عرقياً في ٢١ نيسان ١٩٤٩، وبذلك تكون الفالوجا آخر بلدة تم تهجيرها بالكامل.

أما عن بعض المعلومات الإحصائيات التي يتداولها الصغار قبل الكبار، فهي أن الفالوجا ترتفع عن سطح البحر ١٠٠ متر، أراضيها سهليّة بالكامل وتبلغ مساحة أراضيها الزراعية ٣٧٢٥٠ دونماً منها ٧٨٦ دونماً مشاعاً ولم تتملك الحركة الصهيونية متراً واحداً فيها، تعدادها السكاني بلغ في العام ١٥٩٦ (القرن السادس عشر) ٤١٣ نسمة وفي العام ١٩٤٨ بلغ عدد السكان ٥٤١٧ نسمة وتقدر إحصائيات اللاجئين عددهم في العام ١٩٩٨ بـ(٣٣،٢٦٧) نسمة، فيما يقدر أهالي البلدة عدد سكانها اليوم في الداخل والخارج بما يزيد على ٤٥،٠٠٠ نسمة، عدد بيوتها في العام ١٩٤٨ بلغ ١١٧٣ بيتاً، مدرسة الذكور تأسست في البلدة في العام ١٩١٩ وبلغ عدد طلابها في العام ١٩٤٧ (٥٢٠) طالباً ومدرسة الإناث تأسست في العام ١٩٤٠ واقترب عدد الطالبات فيها في العام ١٩٤٨ من نحو ٢٠٠ طالبة، وكان في البلدة بحد أدنى مسجدان كبيران، تقع في منتصف المسافة بين الخليل وغزة حيث تبعد عن كل منهما ما يقارب ٣٠ كيلومتراً، «هذه ذاكرة ليست للنسيان».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفالوجا … جغرافيا ما بعد النكبة الفالوجا … جغرافيا ما بعد النكبة



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon