بقلم : عبدالناصر النجار
ربما يكون الثلاثاء المقبل يوماً فاصلاً لأربع سنوات حظيت فيها دولة الاحتلال برئيس أميركي قدم لها أكثر بكثير مما توقعت، وربما فاجأ حتى الحكومة الإسرائيلية بكثرة عطاياه المجانية.
رجل الأعمال الغامض والشعبوي دونالد ترامب الذي دخل البيت الأبيض بوعود انتخابية خطيرة أحاط نفسه بمجموعة من المستشارين، الذين كان لهم كلمة الفصل في قضايا الشرق الأوسط، جلهم من المستوطنين بل أكثر من ذلك، هم على يمين المستوطنين الإسرائيليين. ومنهم صهره جاريد كوشنر والسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان.
منذ اليوم الأول لحكم ترامب كان واضحاً أن انتخابه جاء على قاعدة دعم من زعماء الإنجيليين الأميركيين المؤيدين بلا حدود لدولة الاحتلال، ولهذا كانت العطايا الترامبية متتالية بدأها بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ثم الاعتراف بكامل القدس المحتلة الشرقية والغربية عاصمة لإسرائيل، ثم استخدام حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن على أكثر من قرار يدين الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وسياسات الفصل العنصري والتطهير العرقي، معتبراً خطواته تصب في مصلحة «السلام بمفهومه التجاري» وكأنه يعقد صفقة مربحة بشكل كامل لحليفه نتنياهو، الذي حاول جاهدا على دورتين من الانتخابات للكنيست دعمه بكافة الوسائل، إلاّ أنه فشل في ذلك.
بعد ذلك، اعترف ترامب بالجولان كجزء من إسرائيل نافياً عنها صفة الاحتلال. ومارس ضغوطاً هائلة على القيادة الفلسطينية بوقف الدعم المالي بشكل كامل حتى عن المؤسسات الأهلية. وأعلن عن وقف الدعم المالي أيضاً عن وكالة الغوث لتصفية هذه المنظمة الأممية التي تعبر عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ليعلن بعد ذلك عما سماه صفقة القرن التي أعطت لإسرائيل كل شيء ولم تترك للفلسطينيين سوى جزر معزولة، أي مجموعة كنتونات محاصرة لا سيطرة على أجواء أو معابر أو أراض وقال ليسموا ذلك دولة؟!
وقبل أسابيع من انتهاء فترته الرئاسية، مارس ترامب ضغوطاً على دول عربية للتطبيع مع إسرائيل. فكانت مفاجأة الإمارات، ثم البحرين ثم السودان.. بالرغم من المفاجأة إلاّ أنها كانت مجرد الإعلان عن تطبيع وعلاقات كاملة كانت أصلا قائمة تحت الطاولة وسراً، ثم جاءت إلى العلن.
وعلى سبيل المثال، فإن العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية مع مملكة البحرين كانت قائمة منذ أكثر من عشر سنوات، حسب الإعلام الإسرائيلي الذي أكد أن السفارة الإسرائيلية كانت قائمة في العاصمة البحرين تحت اسم مكتب تجاري وشركة أجنبية، وكانت تدير بشكل كامل العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين. وكل ما حصل هو أن لافتة الشركة الوهمية ستتم إزالتها ووضع لافتة جديدة تحمل اسم السفارة الإسرائيلية.
العطايا الترامبية توالت حتى قبل أيام من الانتخابات فكان قرار الموافقة على تمويل الأبحاث في المستوطنات، التي كانت تعتبرها جميع الإدارات الأميركية السابقة غير شرعية. ثم قرار آخر بالسماح لمواطنيها المولودين في القدس بإدراج إسرائيل على أنها مكان مولدهم، علماً بأن الأميركيين كانوا يدرجون في جوازات السفر اسم القدس دون تحديد الدولة.
وإضافة إلى القرارات الصادرة، فالمواقف المؤيدة لدولة الاحتلال من قبل صانعي القرار الأميركي لم تتوقف ابتداءً من تصريحات وزير الخارجية الأميركية بومبيو بأن المستوطنات شرعية وليست مخالفة للقانون الدولي، إلى تصريحات السفير الأميركي بأكثر من ذلك ومطالبة حكومة الاحتلال بالإسراع في ضمّ الأراضي الفلسطينية سواء في منطقة الأغوار أو المنطقة المصنفة «ج»، إضافة إلى جميع المستوطنات القائمة، بما فيها البؤر الاستيطانية والتي تعتبرها إسرائيل نفسها غير شرعية لأنها لم تحصل على التراخيص اللازمة أو أنها أقيمت فوق أراض فلسطينية بملكية خاصة.
ومسألة وقف الضم والتي ادعت فيها الدول المطبعة أنها أوقفتها، أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وجل التصريحات الأميركية تؤكد أن عملية الضم قائمة ولكنها مؤجلة. وإذا ما أقنعت الدائرة القوية حول ترامب بأن عملية الضم مفيدة له في الانتخابات ولو حتى قبل ساعات من بداية الاقتراع ربما يقر الضم.
في الجانب الإسرائيلي، وحسب ما ينقله الإعلام العبري فإن هناك سباقاً محموماً من أجل مص كل نقطة حليب سياسية أو اقتصادية أو عسكرية من الضرع الترامبي في ظل استطلاعات الرأي التي تؤكد هزيمته.
المسؤولون الإسرائيليون يسابقون الزمن في الحصول على ما تبقى من تنازلات أو حتى الضغط على دولة عربية أخرى للانضمام إلى ركب التطبيع وتوقيع اتفاقيات تكون فيها إسرائيل هي الدولة المسيطرة والمهيمنة. حيث دولة الاحتلال لها الكلمة العليا في إدارة قضايا المنطقة.
كل ما حصل أو سيحصل سواء أعيد انتخاب ترامب أم لا هو استراتيجية واضحة المعالم، من لوبي صهيوني يميني أميركي مهيمن، وليس مجرد دعاية انتخابية من أجل دعم فرصة ترامب في الحصول على ولاية ثانية. والدليل على ذلك أن الدعاية الانتخابية الأولى لترامب في المجال الإسرائيلي تم تحقيقها بالكامل بل أكثر مما كان معلناً وما سيتركه ترامب إذا رحل لن يستطيع رئيس أميركي تجاوزه، وإذا ما أعيد انتخابه فإن السنوات الأربع المقبلة ستكون اكثر من سنوات عجاف؟!