قبل نهاية هذا العام، وإذا ما استمرت الإصابات على وتيرتها الحالية أو ارتفعت قليلاً فقد تصل إلى حافة 200 ألف إصابة بفيروس «كورونا»، و1500 وفاة في عام النحس 2020. وفي حال ارتفعت الإصابات إلى ما يزيد على 3000 إصابة يومياً، فإن الوضع سيكون كارثياً بكل المقاييس.
وزارة الصحة تحذر من أن 20% من المصابين يحتاجون إلى رعاية في المستشفيات، ما يعني أنه عند هامش 3000 إصابة يومياً فإننا بحاجة إلى 600 سرير يومياً لاستيعاب هذا العدد، وسنحتاج وفق تصاعد المنحنى الوبائي إلى 20 سريراً في المجمل للحالات الحرجة يومياً.
في الضفة الغربية مجموع الأسرة المتوافرة للحالات الحرجة 400 سرير، وفي قطاع غزة لا يزيد عددها على 100 سرير.
وعلى سبيل المثال، إذا أخذنا أكبر مستشفيين حكوميين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن مجمع فلسطين الطبي في مدينة رام الله يضم 91 سريراً للعناية المكثفة فقط، منها 22 للحالات الحرجة، ثلثها فقط مخصص لإصابات «كورونا»، والبقية للحالات المرضية أو العمليات الجراحية.
في المقابل، فإن مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة يضم 60 سريراً للمصابين بـ»كورونا» الذين يحتاجون الرعاية الصحية الحثيثة بينما يبلغ عدد الأسرّة المجهزة للعناية المركزة 4 أسرة. (حسب إحصائية لوزارة الصحة، هذه الأرقام أو قريب منها يمكن إسقاطها على باقي المستشفيات الحكومية في مختلف محافظات الوطن).
ماذا تعني هذه الأرقام؟ وهل يمكن استيعابها؟ أم أننا ذاهبون إلى مناعة القطيع، «عاش من عاش ومات من مات». وبالتالي كيف سيتعامل الأطباء والطواقم الصحية العاملة في أقسام «كورونا» مع الحالات الحرجة؟ وما عساهم أن يفعلوا إذا ما تضاعف عدد المحتاجين إلى العناية المكثفة، أي الربط بأجهزة التنفس الاصطناعية، مع عدم وجود أسرة لهم. ما العمل؟!
في إيطاليا، وفي ذروة الموجة الأولى، واجه القطاع الطبي مسألةً مماثلةً وفي غاية التعقيد، وهي: من يتركون على الأجهزة ومن ينزعونه عنها؟ ومن له الأولوية في إشغال سرير؟ ومن يترك على أرض المستشفى ليموت مختنقاً لعدم قدرته على التنفس! الخيارات كانت صعبة، وإنسانياً غير متخيّلة، لكن لم يكن أمام الأطباء إلا إعطاء الأولوية في العلاج للفئات الشابة، التي عندها فرصة أعلى للشفاء، فنُزعت الأجهزة عن مسنين محتضرين، وترك مسنون يموتون اختناقاً، لقد كانت الكارثة بعينها.
نحن بالتأكيد لن نرغب أن نصل أو حتى نتخيل أن نصل إلى هذا الوضع. ولكن إذا ما استمر الوضع على ما كان عليه خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فإن احتمال أن نصل إلى نقطة اللاعودة مرتفع جداً.
المشكلة هي الضياع بين أولئك غير المقتنعين بوجود الفيروس إلا عندما يصابون به أو يصاب لديهم عزيز، وبين أولئك المستهترين الذين تعودوا على «تحطيم» القرارات التي تصدر عن الحكومة.
اليوم نعود إلى إجراءات جديدة جزئية، لعدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات استثنائية بإغلاق شامل ومنع تجول مدة أسبوعين على الأقل، مع عزل كل الحالات المصابة أو المخالطة أو المشتبه بها فترةً محددة، والفتح التدريجي للاقتصاد. هذه هي الطريق الوحيدة الموصلة إلى بر الأمان، ودون ذلك هي عمليات تجميلية.
بالنسبة للإجراءات الوقائية. فقد رسبنا، أيضاً في هذا الامتحان، فلا تباعد في الأسواق أو الشوارع أو التجمعات. أما الأعراس فقد استمرت دون توقف وأصحاب القاعات لم ينصاعوا لقرارات الحكومة. في القرى كان الوضع ولا يزال أسوأ، فلا رقيب ولا عقوبات. وعمت الفوضى، حتى الأسرى الذين هم أغلى ما نملك جعلنا من أوقات فرحهم بالتحرر فرصةً للإصابات الجماعية بين المشاركين في احتفالات استقبالهم.
أما الكمامات فأصبحت نوعاً من الكماليات، ارتداؤها ينحصر في مراكز المدن شكلياً، لا تغطي الأنف والفم، وكأنها نوع من رفع العتب أو عدم التعرض لمخالفة شرطية؟!
ومن الإشكاليات الأخرى وخاصة في قطاع غزة كما نشرت «الأيام» في تقارير عدة أن كثيراً من المصابين لا يعلنون عن إصابتهم خوفاً من تضرر أعمالهم، ومنهم عمال المياومة.
إخفاء الإصابة يعني نشر الفيروس. ويعني بؤراً تتوالد كمتتالية حسابية بحيث يصبح من الصعب جداً إن لم يكن من المستحيل تحديد بؤر الانتشار. وهذا ما تسبب بانهيار المنظومة الوقائية في القطاع الذي كان يفخر حتى قبل أسابيع بأن الوباء لم يصله.
الآن نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، تقبل الإصابة وتقبل الموت، أو الإغلاق الحقيقي وتمسك الجميع بالإجراءات الوقائية بشكل منضبط. الخيار لنا. لكن أيضاً لا يحق اليوم لأي جهة كانت حزبية أو حكومية أو عشائرية أو نخبوية أو أصحاب رؤوس أموال أن يتطاولوا على القطاع الصحي ويحطموا الأجهزة الطبية، بحجة عدم توفر سرير أو مكان لاستقبال أعزائهم المصابين بحالات حرجة أو من هم من أيامهم الأخيرة. الخيار بأيدينا، فإما أن نسمح لمن يريد بخرق السفينة الجمعية بحجة أن هذه حصته في السفينة فنغرق جميعاً، أو نضرب بيد من حديد ونطبق القانون حتى نتمكن من الوصول إلى شاطئ الأمان ولو بالحد الأدنى مثل ما يحصل في دول العالم الحضارية.