بقلم : عبد الناصر النجار
نتنياهو المتهم بالفساد تعلّم جيداً من صديقه الرئيس الأميركي كيف يكون متنمراً يهاجم بشراسة كل من يحاول الوقوف في طريقه.وكما ترامب.. بات نتنياهو يهاجم الصحافة الإسرائيلية ويعتبرها متآمرة ضده وكاذبة، زاعماً أن اليسار يريد إسقاطه بأي ثمن، وأن اليمينيين من غير المدافعين عنه عاجزون وأن القضاء غير عادل وموجه ضده.نتنياهو المتنمر يعتبر أنه إسرائيل، وأن إسرائيل هي نتنياهو، مفتخراً بأنه الملك الوحيد القادر على الحفاظ على حكم اليمين العنصري، وفي حال ذهابه فإن حكم اليمين سيزول.
رئيس حكومة الاحتلال يزاود حتى على غلاة المستوطنين الذين يطالبون بضم كامل الضفة، ويرون في بعض بنود صفقة القرن تنازلاً عن أرض إسرائيل للأعداء، متبجحاً بأنه من أقنع ترامب وطاقمه بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمةً موحدة لإسرائيل، وضم هضبة الجولان، والآن مشروع ضم الأغوار ومساحات واسعة من المناطق المصنفة "ج" والمستوطنات بما فيها "البؤر" المصنفة إسرائيلياً بأنها غير قانونية، والتلال الغربية المطلة على الساحل.
نتنياهو المتنمر يعتبر نفسه الملك الذي حقق انتصاراً سياسياً كاسحاً في المنطقة، وأكثر من ذلك هو الذي تمكن من إقامة علاقات قوية مع أنظمة عربية سواء بشكل علني أو صامت، وهو الذي أقنع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني ومحاصرة طهران، عدو إسرائيل والدول الخليجية. حسب ادعاءاته.حتى الآن نجح نتنياهو في بناء استراتيجيته القائمة على الهجوم الكاسح كأفضل وسيلة للدفاع، للتخلص من تهم الفساد والحفاظ على حكمه، وتمكن من تحويل جلسة المحكمة الأولى إلى منصة دعاية مقنعاً كثيراً من الإسرائيليين بأن هناك مؤامرة ضده يشارك فيها اليسار والإعلام والشرطة والمحققون والقضاة، حيث أظهرت استطلاعات رأي أن نحو نصف الإسرائيليين أصبحوا مقتنعين بما يقول!
نتنياهو المتنمر يجهد في قلب معادلة الصراع في المنطقة، نافياً وجود صراع عربي إسرائيلي زاعماً أن هذا الصراع انتهى منذ سنوات بعد اعتراف العرب بأخطائهم! وأن هناك من العرب من يؤيد صفقة القرن والضم وأنهم أخبروه بذلك! أما عن الصراع مع الفلسطينيين فهو يرى أن الوقت قد حان لتغيير النهج السابق بآخر مغاير تماماً قائم على أن المنتصر هو من يضع شروط السلام أو الاستسلام، ولأن الفلسطينيين خسروا المعركة فيجب أن يذعنوا للشروط.
نرجسية نتنياهو أوصلته إلى الحد الذي يقول فيه "يجب عليهم (الفلسطينيين) أن يعترفوا بأننا السيد أمن في المنطقة كلها، وإذا وافقوا على شروطنا فعندها سيكون لهم كيان خاص بهم يطلق علية ترامب اسم دولة... لكن هناك أميركيين يقولون بيبي هذه ليست دولة فأقول لهم سموا ذلك الكيان ما شئتم".
كيان مسخ يتحدث عنه المتنمر مقروناً بعشرة شروط تعجيزية بل مستحيلة التحقيق، وهو يعلم ذلك يقيناً، موضحاً أن المبادرات التي عرضت بعد العام 1967 كانت جميعها تطالب إسرائيل بالتنازل عن أراض وتقسيم القدس وعودة اللاجئين، لكن المعادلة تغيرت بشكل كامل.. فالفلسطينيون هم المطالبون اليوم بالتنازل والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، والتنازل بشكل كامل لا لبس فيه عن حق العودة، والقبول بعدم إزالة حجر من مستوطنة، وسيادة الدولة اليهودية على مساحات واسعة من مناطق "ج" والسيطرة الأمنية الكاملة جواً وبحراً وبراً وشروط أخرى.. إذا ما وافق الفلسطينيون عليها فيمكن الحديث بعد ذلك عن كيان (مسخ).
نتنياهو واع لمطالبه، فهو كمن يدعو شخصاً معلقاً برقبته في سقف المنزل إلى ركل الكرسي الذي يقف عليه كي يتحرر؟!
هذا التنمر غير المسبوق سياسياً يعني أن نتنياهو لم يكتف باغتيال مسيرة السلام إذا صح تعبير سلام، وإنما هو الآن يدفن الجثة وحيداً، وهو مقتنع بأن الفلسطينيين لن يركلوا الكرسي المستندين إليه وحبل مشنقة الاحتلال والضم والتهويد ملتف حول رقابهم. كل ما يفعله نتنياهو هو فتح غبي لباب الصراع على مصراعيه مرتكزاً إلى مبدأ الهيمنة العنصرية والقوة.. وأمام هذا الواقع والتطورات الإقليمية والدولية فإن الشعب الفلسطيني ليس على عجلة من أمره.. فالأبناء وأبناء الآباء وأبناؤهم المقبلون صامدون، لا مكان لهم غير أرض فلسطين، والنكبة لن تتكرر والدولة العنصرية مصيرها الزوال وهذه سنة التاريخ.
دون أن يعلم أو ربما يعلم، فإن نتنياهو دق المسمار الأول في نعش دولة الفصل العنصري... مع التأكيد أن لا شروط نتنياهو ولا صفقة القرن ستمر.. ولم ولن يخلق الفلسطيني الذي سيوقع على اتفاق الاستسلام.