بقلم : صلاح هنية
لم يعد مستساغا بعد اليوم، وفي ضوء الإجراءات الاحتلالية على الأرض أن تظل معالم سلوكنا بنفس المسار دون أي تطوير أو تغيير، سواء على صعيد منظمة التحرير الفلسطينية أو الحكومة والفصائل والمجتمع المدني والقطاع الخاص، سواء الاكتفاء ببيان سياسي "نرفض ونصر"، وبيان وكأنه براءة ذمة "إننا لا زلنا من شعبنا ولن نتعامل مع مؤسسات الاحتلال إلا عبر القنوات الرسمية الفلسطينية"، وخطبة الجمعة تشرح الإجراءات الاحتلالية ووجوب الوحدة الوطنية، وأجسام تنسيقية يقودها المجتمع المدني للإعلان أننا لسنا مؤسسات ممولة فقط ونعمل حسب أولويات المانحين.
لم يعد مقبولا ونحن في خضم مواجهة حقيقية عنوانها نهب المزيد من الأراضي الفلسطينية دون السكان وتحويلهم إلى جيوب فلسطينية أن تتداخل الصلاحيات والكل يشعر انه صاحب الولاية على البقية، سواء من خلال تصريحات لأعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تتحدث عن الرواتب وطرق صرفها والإشارة إلى مقارنة تجربة الضغط السياسي الذي مورس على منظمة التحرير ما قبل توقيع إعلان المبادئ في أوسلو وكأن هذا من اختصاص هذا العضو أو ذاك، ويظهر تداخل الصلاحيات من خلال تصريحات تطالب بإقالة وزراء فورا، وتتوالى الأمور ليصبح التداخل من قبل وزراء في الحكومة يدخلون على خط السياسة التي هي من شأن منظمة التحرير ولا أقول سياسة من عيار العمل الذي يخص وزاراتهم وربطه بالرؤية الوطنية العامة بل دخول إلى ملفات المفاوضات والبروتوكولات والتفاهمات.
ويصبح بالإمكان أن يعتبر بعض رموز العمل الأهلي انهم أصحاب وصاية على كلمات وتعبيرات أي فلسطيني وهم على الأرض والبقية أتوا جمع شمل إلى الوطن أو يعيشون في كوكب آخر، فقيام مواطنين بزيارة مزارع في الأغوار ونشاط تربية الثروة الحيوانية تكال لهم التهم انهم أتوا للسياحة!!!!!! بينما هذه الرموز تشعرك أنها حفرت خندقا وعسكرت في الأغوار انتظارا للحظة الصفر!!!!، وهذا لا ينسحب على العمل الأهلي ومؤسساته القاعدية التي لها دور وحضور. وعندما نذهب صوب المناطق المهددة بالإزالة والترحيل نسمع أسماء مؤسسات حقوقية تعمل وتجتهد.
ويجد مستثمر في الأغوار أو وارث أراض في الأغوار أن من حقه أن ينعت الكل بالتخاذل على أساس انه موجود في الأغوار، داعيا الحكومة والفصائل ومؤسسات العمل الأهلي لإسناده، خصوصا انه يوفر فرص عمل بينما رواتب موظفي الحكومة هي من تضرب صموده على قطعة ارض له يستثمرها في الأغوار!!!!!!!!اليوم، معالم خارطة الطريق تغيرت بالكامل ولم يعد مقبولا أن نصحح لبعضنا البعض بالقلم الأحمر أو الترصد السياسي أو الترصد الفيسبوكي وكأن هذا جميعه بديل عن الفعل الحقيقي على الأرض في مواجهة ضرب مقومات الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير، والترصد يكون في الغالب بتقويل الناس ما لم يقولوا أو رسم صورة كاركاتورية فيها من التضخيم ما يكفي لحشد إعجاب، واضح أن خارطتنا، اليوم، تختلف تماما مفادها أن الجميع بريء ما لم تثبت إدانته وكلنا في مركب واحد أما أن ننجو أو نغرق معا، خطيب الجمعة ليس شخصية تخضع لتقييم من شاء ممن لم يحضروا الخطبة والصلاة وهذا ليس فرمانا لأحقية خطباء المساجد باتهام من شاؤوا كما هم راصدو الفيسبوك، والسياسي وابن أي فصيل الذي أمضى زهرة شبابه في الأسر أو الإبعاد أو في معارك منظمة التحرير الفلسطينية ليس شخصية كرتونية نقلل من شأنها متى شئنا، وهذا أيضا ليس فرمانا لهؤلاء الساسة أن يلعبوا بنا كرة قدم تارة باسم رواتب موظفي الحكومة وتارة باسم تعاسة الإبداع والابتكار وكأنهم أهله.
بالمقابل، الجميع خاضع للمساءلة ومعايير الحوكمة ولا يوجد من هو فوق المساءلة والنزاهة والشفافية، خارطة الطريق القادمة باتجاهين: ذهاب وإياب، لا يعقل أن تكون فقط باتجاه واحد مفتوح للبعض أن يسرح ويمرح والبقية يكونون متفرجين، والبقية عليهم وضع صور هؤلاء في إطار ونشرها عبر مواقع الفيسبوك والتواصل الاجتماعي والإشادة بهم والطلب بضرورة إخلاء الطريق لهم وعدم إزعاجهم، لا لم يعد الأمر كذلك فقد بات واضحا خلال جائحة "كوفيد ـــ 19" أن الناس بات لديهم قدرة على المساءلة الشعبية وتحميل المسؤولية، ولم يعد المسؤول مقدسا يمنع الاقتراب منه، وبات الذين تضيق صدروهم من أحباب المسؤولين لا يقدمون ولا يؤخرون لأنهم عبء عليه وليسوا عونا أو مفتاحا لشعبيته.
خارطة الطريق الوطنية تشير إلى أن الآتي صعب ومعقد، ولكن طاقة شعبنا مؤهلة لأن تكون صمام الأمان شريطة ألا نظل نكرر سيناريوهات أكل عليها الدهر وشرب على اعتقاد كله ظنون أنها مسعفة وأصحابها يعلمون جيدا أنها مدمرة، لم يعد مقبولا أن نلقي بالضائقة المالية على محدودي الدخل والفقراء والذين يعتاشون من دخلهم، بينما من يلقي على كاهل الناس لا يرشد نفقاته ولا يحول بنود موازنته لصالح خدمة أهداف مواجهة المخطط الاحتلالي عبر دعم مؤسسات وجمعيات قائمة في مناطق التهديد بالاستهداف، وعبر ترسيخ صمود الناس وليس عبر الضغط عليهم لإضعاف عناصر صمودهم، وكل هؤلاء كلما قللوا ظهورهم الإعلامي والفيسبوكي سيبدعون وينقذون الشعب من الضغط النفسي والمالي والاقتصادي.