بقلم : صلاح هنية
الجمعيات الخيرية والتعاونية وأيضا جمعيات القرى والمدن المهجرة 1948 عانت ما عانته في ظل جائحة كوفيد 19 ومنها من أوصد أبوابه وغاب ليس تطوعاً، بل واقع الأمر فرض عليها ذلك، ومنها من اختصر نشاطاته الى بعض النشاطات الضعيفة من التكافل الاجتماعي الذي كانت عبارة عن مبادرات شخصية من بعض العضوات وليس الأعضاء.ومن المتعارف عليه ان هناك نقدا ينال العمل الأهلي والجمعيات الخيرية ، وهناك جهات عدة سعت الى بلورة مبادرات خلال جائحة كوفيد 19 لايصال رسالة ان هذا القطاع لا يعمل فقط في ضوء توفر التمويل، وللتوضيح انه بإمكان تلك المؤسسات أن تعمل مناقلة في ميزانياتها وتحولها الى موازنة طوارئ لبرامج طارئة كما تفعل «الحكومة» نسبيا، وبإمكان جمعيات خيرية بإمكانها أن تقلل بنود مصاريف معينة وتحولها باتجاه العمل الذي تتخصص به أصلا، وليس بالضرورة ان نكمل ذات البرامج في مرحلة البحبوجة وننقلها الى الطوارئ، وفد تكون الأولوية لعاملات رياض الأطفال التابعة لتلك المؤسسات ولعاملات المطابخ الإنتاجية في تلك الجمعيات التي تعطلت أيضا.
كثير من الجمعيات الخيرية غيبت نفسها بشكل تطوعي خصوصا عندما أعلنت لجنة طوارئ للتكافل الاجتماعي واسناد الإجراءات الصحية من مجموع المؤسسات . لقد حضرت التنظيمات السياسية وغابت الجمعيات الخيرية خصوصاً تلك الجمعيات التي يبلغ عمرها عمر التنظيمات السياسية. ولملء الفراغ بادرت مجموعات الى مبادرات متنوعة كان بإمكان جمعيات متابعتها.وكان واضحاً طوال الفترة البقاء في مرحلة الصدمة لدى الجمعيات الخيرية ومؤسسات العمل الأهلي والبقاء في دائرتها، لأن التفكير كان محصوراً فقط بسيناريو فتح باب الجمعية والعمل بظروف طبيعية أما في الطوارئ غابت الخطة وغابت الآلية، وكان بإمكان تحريك العمل عبر الشبكة العنكبوتية وخلق مبادرات من خلالها وعبر مواقع التواصل الاجتماعي تحشد حولها أناسا كان لديهم الجاهزية العالية ليشاركوا في أي نشاط أو مبادرة.
وهناك جمعيات ومؤسسات قاعدية استطاعت ان تخرج من نطاق التقليدية الى المبادرة في المجتمع الذي تنشط به، وهذا يسجل لها وقد وصلت الى ابعد المناطق وكانت ظهيرا لحالة الطوارئ، وهذه المؤسسات كانت مساندة أكثر من كونها متجهة لطلب العون من قطاعات أخرى معطلة ومزنوقة، فكانت هناك مبادرات تكافل اجتماعي في الاحياء والقرى والمخيمات، وكان هناك مبادرات لنصرة المزارعين ومربي الثروة الحيوانية ونصرة قطاع المشاتل، وأخرى لتوفير مستلزمات التعقيم والمنظفات للتجمعات النائية، وتحقيق مبدأ من المزارع الى المستهلك مباشرة.وحتى نخرج من التشخيص الى استخلاص العبر فالمطلوب تغيير جوهري في أولويات عمل المؤسسات في ضوء التغيرات التي فرضتها الجائحة كما راجع القطاع الخاص طبيعة عمله ليتواءم معها.
كان يجب ان يخرج خطاب موحد قوي من الاتحاد العام للجمعيات الخيرية يثبت اركان العمل الاجتماعي الخيري في ظل الجائحة وهذا يستخلص من التجربة وسنوات العمل، وضرورة اصدار ورقة موقف تحدد ما هي التدخلات الاجتماعية الطارئة واجبة النفاذ وما هو دور الجمعيات وما هو دور الحكومة وأين يتقاطعان.كان يجب أن يتركز العنوان المتوقع من اتحاد الجمعيات الخيرية حول رفاه الناس والتضامن المجتمعي، وحث الحكومة على إقامة مجتمع آمن وعادل ومزدهر لا يستثني احدا من مواطنيه.كان بإمكان العمل الأهلي والجمعيات الخيرية أن يكونا أكثر تأثيرا ، وليس البحث فقط عن زيادة حصتها من التمويل النادر والشحيح في ظل الجائحة أو السعي ليكونوا جزءا من توزيع العطايا فقط وليسوا جزءا من الجمع لهذه الأموال.
لم يكن مقبولا أن تتحول المؤسسات غير الحكومية التي تمتلك مدارس ورياض أطفال الى ادب البكائيات فقط دون حراك، أين السياسة المالية الرشيدة في تلك المدارس، ولماذا الجرأة في العمل الخيري والاجتماعي على رواتب الفئات الأضعف وغالبيتهن نساء وغالبيتهن معوزات وينفقن على أسرهم وتم اختيارهم للعمل كونهن حالات اجتماعية أصلا، ومعظم هذه المدارس والرياض ليست مجانية بل هي مدفوعة برسوم واقساط مناسبة.ولا يعقل ان تظل الجمعيات تطرق باب الحكومة والوزارات والقطاع الخاص للحصول على اسناد مالي لها، وكأن مدارسها ومراكزها الإنتاجية ومراكزها التعليمية باتت عبئا وليست مسعفا في ظل الجائحة، وكأن تاريخ هذه الجمعيات لم يسعفها، ويجب ان تظل هذه المؤسسات مستقلة وتظل تزيد إمكانيات الاعتماد على الذات، وبات ملحا أن تنشأ تلك الجمعيات والمؤسسات وقفيات تدعم مسيرتها، خصوصا تلك الجمعيات التي ظلت تفاخر ونفاخر معها لسنوات طويلة انها لا تضع في حساباتها التمويل المشروط أو المقيد بل تبحث عن تطوير الاعتماد على الذات والعمل التطوعي.
صحيح أن الجائحة طالت مالياً كل المؤسسات. وبعد أن كانت البلديات أحيانا تسند المؤسسات بتبرعات مختلفة من أبناء تلك المدينة أو المحافظة من المغتربين الا أن الجائحة اثرت سلبيا، ولكن ما زال ممكنا التعامل الإيجابي مع هذه الموارد والمقومات خصوصا المغتربين الذين يحضرون الى البلد ليروا أن الحال بقي على حاله رغم تلك التبرعات التي حشدوها.مشكلة الجمعيات الخيرية والمؤسسات غير الحكومية يبقى واضحا ان غالبيتها تبحث عن التمويل الاسهل والذي يطرق بابه كل الناس، واحيانا تتوفر لهم مقومات لا تحدث نقلة نوعية في الأداء.خلاصة القول أن الجمعيات الخيرية والعمل الأهلي بحاجة لجودة إدارة الموارد المتاحة وإدارة العمل الخيري والأهلي. ولا يعقل أن نظل نظن أن غدا ستتوفر ذات الموارد، وتجربة الجائحة تضعنا جميعا أمام ضرورة الإبداع والتحول في الأولويات وإعادة مناقلة الموارد المتاحة باتجاهات تكون أكثر ملاءمة للوضع الطارئ.